الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }؛ بيانُ أن حكمَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأمته في التوجه إلى الكعبة في السفر والحضر سواءٌ؛ لأنه كان يجوز أن يَظُنَّ ظانٌّ الفرق بين المسافر والمقيم كالنفل على الراحلة، فبيَّن الله تعالى أن المسافر كالمقيم في التوجه.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ }؛ أي لئلا يكون لليهودِ عليكم حجَّة، ولأنَّ المسلمين لو لم يُصَلوا إلى الكعبة لكان ذلك مخالفةً للبشارةِ السابقة؛ فيكون ذلك حجَّة لهم بأن يقولوا: ليس هو النبي المبشَّرُ.

قوله تعالى: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ }؛ أي لا يحاجكم أحد إلا من ظلم فيما وضح له؛ واحتج بغير الحق. وأراد بالذين ظلموا قريشاً واليهود. وكانت حجةُ قريش الباطلةَ أن قالوا: إنَّما رجع إلى الكعبة لأنه علم أنَّها قبلةُ آبائه وهو الحق وكذا يرجع إلى ديننا ويعلم أنه حقٌّ. وأما اليهود فإنَّهم يقولون: إن كانت قبلتنا ضلالةً فقد صليتَ إليها سبعة عشر شهراً، وإن كانت هدًى فقد انصرفتَ عنها. وقيل: لأن اليهودَ يقولون: إن محمداً لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه بأنه حقٌّ إلا أنه إنما يفعل برأيه ويزعم أنه أُمِرَ به. وقيل: إن من حجة مشركي مكة أنَّّهم قالوا لَمَّا قالوا لَمَّا صُرفت القبلة إلى الكعبةِ: إنَّ مُحَمَّداً قد تحيًّر في دينهِ وتوجَّه إلى قبلتنا وعَلِمَ أنَّا أهدى سبيلاً منهُ وإنه لا يستغني عنا ولا شكَّ أنه يرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا. فأجابَهم الله تعالى بهذه الآية { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ } نفى أن لا يكون لأحدٍ حجةٌ قَبْلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. بسبب تحويلهم إلى الكعبة. إلا الذين ظلموا من قريش فإن لهم قِبَلِهم حجة لِما ذكرنا.

والحجةُ: الخصومةُ والجدال والدعوةُ الباطلةُ كقولهِ تعالى:لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } [الشورى: 15] أي لا خصومة. وقولهِ تعالى:قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ } [البقرة: 139] ولِيُحَآجُّوكُم } [البقرة: 76] وحَاجَجْتُهُمْ؛ كلها بمعنى المخاصمة والمجادلة لا بمعنى الدليل والبرهان. وموضع (الَّذِينَ) نُصِبَ بنَزع الخافض، تقديره: إلاَّ الَّذِيْنَ ظَلَمُواْ. وقال الفرَّاء: موضعه نُصِبَ بالاستثناء. وإنما قال: (مِنْهُمْ) ردّاً إلى لفظ الناس؛ لأنه عامٌّ وإن كان كل واحد منهم غير الآخر. وقالَ بعضهم: هذا الاستثناء منقطع من الكلام الأول، ومعناه: لئلا يكون كلهم عليكم حجة؛ اللهم إلا الذين ظلموا فإنَّهم يحاجونكم بالباطل ويجادلونكم بالظلم، وهذا كما يقدر في الكلام للرجل: الناسُ كلُّهم لكَ حامِدون إلا الظالِمُ لكَ. وقولهم للرجل: ما لكَ عندي حقٌّ إلا أن يظلمَ. وما لك حجَّة إلا الباطلَ.

وقال أبو رَوقٍ: (معنى الآية: { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ } يعني اليهود عليكم حجةٌ).

السابقالتالي
2