الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ } ، قرأ ابنُ عامر وحمزةُ والكسائيُّ وخَلَف وحفصُ بالتاءِ للمخاطِبة التي قبلَها (قُلْ أتُحَاجُّونَنَا) والتي بعدَها: (قُلْ أأنْتُمْ أعْلَمُ أمِ اللهُ). وقرأ الباقونَ بالياء إخباراً عن اليهودِ والنصارى أنَّ إبراهيمَ وإسماعيل وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطَ كانوا هُوداً أو نصارى. ومعنى الآية: أَتُحَاجُّوننا بقولِكم كونوا هُوداً أو نصارى تَهتدوا، وقولُكم: لن يدخلَ الجنةَ إلا مَن كان هُوداً أو نصارى، أم بقولِكم: إنَّ إبراهيم وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوب والأسباطَ كانوا هُوداً أو نصارى، مع عِلْمِكُمْ بخلافِ ذلك. وهذا استفهامٌ بمعنى التوبيخِ، فإنَّهم كانوا يزعمون أنَّ الدينَ الصحيحَ هو اليهوديةُ والنصرانية؛ وأنَّ هؤلاءِ الأنبياءُ تَمسَّكوا بها.

يقولُ الله تعالى: { قَلْ } لَهُمْ يَا مُحَمَدُ: { أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ ٱللَّهُ } فإنَّ اللهَ قد أخبر أنَّهم كانوا مسلمين، وأنَّهم لم يكونوا يهوداً ولا نَصارى، فقالوا: ما هو كما قُلْتَ، وإنا على دينِ إبراهيمَ، وما أنتَ برسولِ الله؛ ولا على دينهِ. فأنزلَ اللهُ تعالى قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ } يعني علماءَ اليهودِ والنصارى؛ لأنَّهم عَلِمُوا أنَّ إبراهيمَ وإسماعيل وإسحاق ويعقوبَ والأسباط كانوا حُنَفَاءَ مسلمين؛ وأنَّ رسالةَ نَبيِّنَا حَقٌّ بَيَّنَهُ اللهُ في التوراةِ والإنجيل، فَكَتَمُوهُ حَسَداً وطلباً للرئاسَة.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }؛ يعني من كِتْمَانِ نَعْتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وصفتهِ؛ يجازيكم عليه في الآخرةِ.