الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }؛ أي مُبْتَدِعُهما ومُنْشِؤُهما على غير مثال يسبقُ، { وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً }؛ أي إذا أرادَ شيئاً، { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } ، وهذه الآيةُ والتي قبلَها جوابٌ " عن قولِ جماعة من النصارى نَاظَروا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في أمرِ عيسى عليه السلام. قَالَ لَهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ " قَالُواْ: هَلْ رَأيْتَ مَنْ خُلِقَ بغَيْرِ أبٍ؟ " فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ وما قبلَها جواباً لَهم.

ومعناها: إنَّ اللهَ مبتدعُ السماوات والأرضِ وخالقهُما، وإذا أرادَ أمراً مثلَ عيسى بغيرِ أبٍ أو غير ذلك، فإنَّما يقولُ له: كُنْ، فيكونُ كما أرادَه. والإبْدَاعُ: إيجادُ الأشياءِ على غيرِ مثال سبقَ؛ والبديعُ فعيلٌ بمعنى مُفَعِّلٌ، والبديعُ أشدُّ مبالغةً من المبدعِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَيَكُونُ } مَن رَفَعَهُ؛ فمعناهُ: فهو يكونُ. ومَن نَصَبَهُ؛ فعلى جواب الأمر بالفاءِ. فإن قيلَ: قوله { كُنْ } خطابٌ للموجود أو للمعدوم، ولا يجوزُ الأول؛ لأنَّ الشيءَ الكائنَ لا يؤمَرُ بالكونِ، والثانِي لا يجوزُ أيضاً؛ لأنَّ المعدومَ لا يخاطبُ؟ قيل: إنَّما قالَ ذلك على سبيلِ المثَلِ، لأن الأشياءَ لسهولتها عليه وسرعةِ كونِها بأمره بمنْزلة ما يقولُ له كُنْ فيكونُ. وهذا مِثْلُ قولهِ:ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } [فصلت: 11] لم يُرِدْ بهذا أن السماءَ والأرضَ كانتا في موضعٍ فقال لَهما: ائْتِيَا، فجَاءا من ذلك الموضعِ، ولكن أرادَ به تكوينَهما، فعلى هذا معنى { كُنْ فَيَكُونُ } أي يُرِيْدُهُ فَيَحْدُثُ.