الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } ، قال الفرَّاءُ وأراد يهوداً فحذفت الياءُ الزائدة. قال الأخفشُ: (الْهُوْدُ جَمْعُ هَادٍ؛ مِثْلُ عَائِدٍ وَعُودٍ، وَحَائِلٍ وَحُولٍ). وَفي مُصحف أُبَيٍّ: (إلاَّ مَنْ كَانَ يَهُودِيّاً أوْ نَصْرَانِيّاً).

ومعنى الآية: قالت اليهودُ: لن يدخل الجنةَ إلا مَن كان يهودياً ولا دينَ إلا اليهوديةُ. وقالت النصارى: لن يدخلَ الجنةَ إلا مَن كان نصرانيّاً، ولا دينَ إلا النصرانيةُ. فأنزلَ الله تعالى: { تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ } ، يجوز أن تكون { تِلْكَ } كنايةٌ عن الجنة؛ ويجوزُ أن تكون المقالةُ. وأمانيُّهم: أباطيلُهم بلغةِ قريش، وقيل: شهواتُهم التي تَمَنَّوْهَا على اللهِ بغير الحقِّ. { قُلْ }؛ لَهم يا مُحَمَّدُ: { هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ }؛ أي حُجَّتكم على ذلك من التوراةِ والانجيل، { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }.

ثُم قال الله تعالى ردّاً عليهم وتكذيباً لَهم: { بَلَىٰ }؛ أي ليس كما قالوا، بل يُدْخِلُ الجنَّةَ، { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ }؛ أي من أخلصَ دينَهُ لله. وَقِيْلَ: مَن فوَّض أمرهُ إلى الله. وقيل: مَن خضع وتواضعَ لله. وأصل الإسلامِ: الاسْتِسْلاَمُ: وَهُوَ الْخُضُوعُ وَالانْقِيَادُ. وإنَّما خُصَّ الوجهُ؛ لأنه إذا جادَ بوجههِ في السجود لم يَبْخَلْ بسائر جوارحهِ.

وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَهُوَ مُحْسِنٌ } أي محسنٌ في عمله، وقيل: معناه: وهو مؤمن مخلصٌ، { فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ }؛ أي فيما يستقبلُهم من أهوال القيامة، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }؛ على ما خلفوا في الدنيا؛ لأنَّهم يتيقَّنون بثوابهم عند الله.