الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } * { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } * { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً }؛ أي اذْكُرْ يا مُحَمَّدُ في القُرْآنِ خَبَرَ مريَمَ؛ لتعتبرَ الناسُ بدِينها وصلاحِها، والمعنى اذْكُرْ خبَرَها لأهلِ مكَّة. قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِذِ ٱنتَبَذَتْ } أي تَنَحَّتْ من أهلِها، وتفرَّدت مِمَّن كانوا معَها في الدارِ إلى مكانٍ في جانب الشَّرق، جلست فيهِ؛ لأنَّها كانت في الشِّتاء، فجلست في مَشْرَقَةِ الشمسِ.

وقال عكرمةُ: (أرَادَتِ الْغُسْلَ مِنَ الْحَيْضِ، فَتَحَوَّلَتْ إلَى مَشْرَقَةِ دَارِهِمْ لِلْغُسْلِ) { فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً }؛ أي مِن دون أهلِها سِتْراً لئلاَّ يرَوها، فَـ؛ بينما هي في مشرقة الدار تغتسلُ من الحيضِ، { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا } ، أي دخلَ عليها جبريل عليه السلام بعد ما فرغت من الاغتسالِ في صورة شابٍّ أمردَ حسنِ الوجه جَعْدَ الشعرِ، وذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً }؛ وإنَّما أرسلَ اللهُ جبريلَ في صورة البشرِ؛ لتثبت مريَمَ وتقدرَ على استماعِ كلامه.

قال ابنُ عبَّاس: (فَلَمَّا رَأتْ مَرْيَمُ جِبْرِيلَ تَقَصَّدَ نَحْوَهَا نَادَتْهُ مِنْ بَعِيْدٍ)، { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً }؛ أي إنْ كنتَ تقيّاً مُخلصاً مطيعاً، فستنتهي لتعوذِي بالله منكَ، وَقِيْلَ: إنَّ تقيّاً كان رجُلاً من أمثلِ الناسِ في ذلك الزمان، فقالت: إن كنتَ في الصلاحِ مثل التقيِّ، فإنِّي أعوذُ بالرَّحمنِ منكَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا } أي جبريلَ عليه السلام، خُصَّ بالإضافةِ إلى اللهِ تعالى تشريفاً له، وسُمِّي روحاً؛ لأن الناسَ يَحْيَوْنَ بما جاء في أديانِهم، كما يحيون بأرواحِ أبدانِهم.