الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ }؛ أي في القريةِ المذكورة، وكان اسمُ اليتيمين: أصْرَماً وَصَرِيْماً، { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا }؛ قِيْلَ: إنه كان مَالاً، وَقِيْلَ: كان عِلماً.

وعن ابنِ عبَّاس: (أنه كانَ لَوحاً من ذهبٍ وفيهِ: بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ؛ لاَ إلَهَ إلاّ اللهُ؛ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، عَجِبْتُ لِمن أيقنَ بالموتِ كيف يفرحُ، ولِمن أيقنَ بالنارِ كيف يضحكُ، وعجبْتُ لِمن أيقنَ بالقَدَر كيف يحزنُ، وعجبتُ لِمن يرى الدُّنيا وتقلُّبَها بأهلِها كيف يطمئنُّ إليها). وَقِيْلَ: كان ذهباً وفضَّةً.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً }؛ أي كان ذا أمانةٍ، كان يقالُ له: كاشح، وَقِيْلَ: إنه مِن الأنبياءِ. قال سعيدُ بن جُبير عن ابنِ عبَّاس: (حُفِظا بصَلاَحِ أبيهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهُمَا صَلاَحاً). قال جعفرُ بن محمَّد: (كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الأَب الصَّالِحِ سَبْعَةُ آبَاءٍ).

وعن محمَّد بنِ المنكدرِ قال: (إنَّ اللهَ تَعَالَى لَيَحْفَظُ بالرَّجُلِ الصَّالِحِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَأهْلَ دُوَيْرَتِهِ، وَأهْلَ دُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ وَأُسْرَتِهِ الَّتِي هُوَ فِيْهَا، فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظِ اللهِ مَا دَامَ فِيْهِمْ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا }؛ أي فأرادَ ربُّكَ بالأمرِ تسويةِ الجدار إلى أن يَكْبُرَا ويعقلاَ، { وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً }؛ أي نعمةً؛ { مِّن رَّبِّكَ }؛ وهذا نُصِبَ على المصدريَّة؛ أي رَحِمَهما اللهُ بذلك رحمةً.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي }؛ وإنَّما فعلتهُ بأمرِ الله تعالى، { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }؛ وأصلهُ تَسْتَطِعْ؛ إلاّ أن الطاءَ والتاء من مخرجٍ واحد، فحذفَ التاء لَمَّا اجتمعا لتخفيفِ اللفظ.

ورويَ أن الخضرَ لَمَّا أرادَ أن يُفارقَ موسى أوصاهُ، قال يا موسَى: أفْرِغ عن اللَّجَاجَةِ ولا تَمشِ في غيرِ حاجة، ولا تضحَكْ من غير عجبٍ، ولا تعيِّرِ المذنبين بخطاياهم، وابْكِ على خطيئتك يا ابنَ عمرانَ.