الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } * { ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ }؛ أي من يُوَفِّقْهُ اللهُ لدينهِ بالطاعة فهو المهتدي، { وَمَن يُضْلِلْ }؛ أي مَن يخذُلْهم عن دينهِ، { فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ }؛ يَهدُونَهم من دون الله. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً }؛ عما يسُرُّهم، { وَبُكْماً }؛ عما ينفعُهم، { وَصُمّاً }؛ عما يَمنَعُهم.

وَقِيْلَ: يُحشَرون في أول الحشرِ عُمياً وبُكماً وصُمّاً على هذه الصفةِ، ثم تزولُ هذه الصفات عنهم فيَرَونَ ويتكلَّمون ويسمعون كما قَالَ اللهُ تَعَالَى:وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ } [الكهف: 53] وقالسَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } [الفرقان: 12] وقالدَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } [الفرقان: 13]. ويقالُ: إنه لَمْ يُرِدْ بالحشرِ في هذه الآية الحشرَ عن القبرِ، وإنما أرادَ به الحشرَ عن موضعِ الْمُحاسَبَة، فإنَّهم يُسحَبُونَ عن ذلك الموضعِ على وجُوهِهم على هذه الصِّفاتِ. وعن أنسٍ: " أنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: " إنَّ الَّذِي أمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُمْشِيهِ عَلَى وَجْهِهِ " ".

وعن أبي هريرةَ قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " " يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أصْنَافٍ: صِنْفٌ مُشَاةٌ، وَصِنْفٌ رُكْبَانٌ، وَصِنْفٌ عَلَى وُجُوهِهِمْ " قِيْلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ قَالَ: " إنَّ الَّذِي أمْشَاهُمْ عَلَى أرْجُلِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ، يَتَّقُونَ بوُجُوهِهِمْ كُلَّ حَدَبٍ وَشَوْكٍ " ".

قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ }؛ أي مَصيرُهم إليها. وقولهُ تعالى: { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً }؛ أي كلَّما سَكَنَ لَهبُها من جانبٍ زدنَاها اشْتِعَالاً من جانبٍ آخر، يقالُ للنار اذا سَكَنَ لَهبُها: خَمَدَتْ، فَإذا أُطْفِئَتْ ولَمْ يبقَ فيها شيءٌ من النارِ قِيْلَ: هَمَدَتْ، وقال ابنُ عبَّاس: (مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى { خَبَتْ } أيْ سَكَنَتْ)، وقال مجاهدُ: (طُفِئَتْ)، وقال قتادةُ: (لاَنَتْ وَضَعُفَتْ)، وقولهُ تعالى: { زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } أي وَقُوداً.

ثم بَيَّنَ اللهُ تعالى لماذا يزدَادُون سَعيراً، فقال تعالى: { ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا }؛ أي ذلك العذابُ جزاءُ كُفرِهم بدلاَئِلنا، وإنكارِهم للبعثِ، وهو قولُهم: { وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً }.