الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } رَوى عكرمةُ عن ابنِ عبَّاس: " أنَّ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَا رَبيعَةَ، وَأبَا سُفْيَانَ، وَالنَّضرَ بْنَ الْحَارِثِ، وأبَا جَهْلٍ بْنَ هِشَام، وَالأَسْوَدَ بْنَ الْمُطَّلِب، وَرَبيعَةَ بْنَ الأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَأبَا جَهْلٍ، وَأُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، وَالْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ وَغَيْرَهُمْ، اجْتَمَعُوْا بَعْدَ غُرُوب الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إبْعَثُواْ إلَى مُحَمَّدٍ، وَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ. فَبَعَثُوا إلَيْهِ أنَّ أشْرَافَ قَوْمِكَ قَدِ اجْتَمَعُواْ لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ.

فَجَاءَ إلَيْهِمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيعاً يَظُنُّ أنَّهُ بَدَا لَهُمْ فِي أمْرِهِ شَيْءٌ، فَجَلَسَ إلَيْهِمْ فَقَالُواْ: يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلاً مِنَ الْعَرَب أدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مَا أدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدَ شَتَمْتَ الآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَسَفَّهْتَ الأَحْلاَمَ، وَشَتَمْتَ الآلِهَةُ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ. فَمَا أمْرٌ قَبيحٌ إلاَّ وَقَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ، فَإنْ كُنْتَ إنَّمَا جِئْتَ بهَذا الْحَدِيثَ تَطْلُبُ مَالاً، جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أكْثَرَنَا مَالاً، وَإنْ كُنْتَ تَطْلُبُ بهِ الشَّرَفَ فِيْنَا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإنْ كَانَ هَذا الَّذِي بكَ تَابعٌ مِنَ الْجِنِّ، بَدْلْنَا أمْوَالَنَا فِي طَلَب الطِّب لَكَ حَتَّى نُبْرِيَكَ مِنْهُ!

فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا بي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُكُمْ بهِ لِطَلَب أمْوَالِكُمْ وَلاَ الشَّرَفَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى بَعَثَنِي رَسُولاً وَأنْزَلَ عَلَيَّ كِتَاباً، وَأمَرَنِي أنْ أكُونَ لَكُمْ بَشِيراً وَنَذِيراً، فَبَلَّغْتُكُمْ رسَالَةَ رَبي وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَإنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أصْبرُ عَلَى مَا أمَرَ اللهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمِ ".

فَقَالُواْ: يَا مُحَمَّدُ فَإنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابلٍ مِنَّا مَا عَرَضْنَا عَلَيْكَ، فَقَدْ عَلِمْتَ أنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أحَدٌ أضْيَقَ بلاَداً وَلاَ أقَلَ مِنَّا، فَاسْأَلْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ إلَيْنَا أنْ يُسَيِّرَ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا، وَيَبْسُطَ لَنَا بلاَدَنَا وَيُجْرِيَ لَنَا فِيهَا أنْهَاراً كَأَرْضِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ أبَائِنَا، وَلْيَكُنْ مِمَّنْ يَبْعَثُ لَنَا قُصَيَّ بْنَ كِلاَبٍ فَإنَّهُ كَانَ شَيْخاً صَدُوقاً، فَنَسْأَلُهُمْ عَنْ مَا تَقُولُ: أحَقٌّ هُوَ أمْ بَاطِلٌ؟ فَإنْ صَنَعْتَ لَنَا مَا سَأَلْنَاكَ وَصَدَّقُوكَ صَدَّقْنَاكَ، وَعَرَفْنَا بذلِكَ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ اللهِ بأَنَّهَ بَعَثَكَ رَسُولاً كَمَا تَقُولُ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا بهَذا بُعِثْتُ، إنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ بمَا بَعَثَنِي ".

قَالُواْ: وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ هَذاَ فَاسْأَلْ رَبَّكَ يَبْعَثْ مَلَكاً يُصَدِّقُكَ، وَيُعِينُكَ عَمَّا نَرَى بكَ، فَإنَّكَ تَقُومُ فِي الأَسْوَاقِ تَتَلَمَّسُ الْمَعَاشَ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا أنَا بالَّذِي يَسْأَلُ اللهَ هَذا، وَلَكِنَّ اللهَ بَعَثَنِي بَشِيراً ونَذِيراً ".

قَالُواْ: فَأَسْقِطِ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً، كَمَا زَعَمْتَ أنَّ اللهَ مَا شَاءَ فَعَلَ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " ذلِكَ إلَى اللهِ، إنْ شَاءَ فَعَلَهُ بكُمْ " فَقَالُواْ: قَدْ أُعْذِرْنَا إلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، أمَا وَاللهِ مَا نَتْرُكُكَ وَمَا فَعَلْتَ بنَا حَتَّى نُهْلِكَكَ أوْ تُهْلِكَنَا. وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى تَأْتِيَ باللهِ وَالْمِلاَئِكَةِ قَبيلاً.

فَلَمَّا قَالُواْ ذلِكَ قَامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ مَعَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيُّ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّتِهِ عَاتِكَةُ بنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِب، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ عَرَضَ عَلَيْكَ قَوْمُكَ مَا عَرَضُواْ فَلَمْ تَقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أُمُوراً لأَنْفُسِهِمْ؛ لِيَعْرِفُواْ بهَا مَنْزِلَتَكَ مِنَ اللهِ فَلَمْ تَفْعَلْ، ثُمَّ سَأَلُوكَ أنْ تُعَجِّلَ لَهُمْ مَا خَوَّفْتَهُمْ بهِ مِنَ الْعَذاب فَلَمْ تَفْعَلْ، فَوَاللهِ لاَ أُؤْمِنُ بكَ أبَداً حَتَّى تَتَّخِذ سُلَّّماً إلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ تَرْقَى فِيْهِ وَأنَا أنْظَرُ حَتَّى تَلِجَ بَابَهَا، أوْ تَأْتِيَ مَعَكَ بنُسْخَةٍ مَنْشُورَةٍ، وَنَفَرٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ يَشْهَدُونَ أنَّكَ نِبيٌّ كَمَا تَقُولُ، وَأيْمِ اللهِ لَمْ فَعَلْتَ ذلِكَ لَظَنَنْتُ أنِّي لاَ أُصَدِّقُكَ.

ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَنْزِلهِ حَزِيناً لِمَا نَالَهُ مِنْ سَفَاهَةِ قَوْمِهِ وَتَبَاعُدِهِمْ مِنَ اللهِ، فَقَالَ أبُو جَهْلٍ حِينَ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنَّ مُحَمَّداً قَدْ أتَى إلَى مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْب دِينِنَا وَشَتْمِ آبَائِنَا وَتَسْفِيهِ أحْلاَمِنَا وَتَتْبيب آلِهَتِنَا، إنِّي أُعَاهِدُ اللهَ لأَجْلِسُ لَهُ بحَجَرٍ غَداً قَدْرَ مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ، فَإذا سَجَدَ فِي صَلاَتِهِ رَضَخْتُ بهِ رَأسَهُ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } "


السابقالتالي
2