الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي }؛ اختلَفُوا في الذي سأَلُوا عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال بعضُهم: سأَلوهُ عن جبريلَ قد سَمَّاهُ اللهُ روحاً في قولهِ تعالىوَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [الشورى: 52]، وعن عليٍّ رضي الله عنه قالَ: (إنَّ الرُّوحَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ لَهُ سَبْعُونَ ألْفَ وَجْهٍ، فِي كُلِّ وَجْهٍ سَبْعُونَ ألْفَ لِسَانٍ يُسَبحُ اللهَ تَعَالَى بكُلِّ لِسَانٍ مِنْ هَذِهِ الأَلْسِنَةِ، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذلِكَ الْمَلَكِ).

وعن عبدِالله بن مسعود قال: (كُنْتُ أمْشِي مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَمَرَّ بقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اسْأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ، ثُمَّ أتَاهُ نَفَرٌ مِنْهُمْ فَقَالُواْ لَهُ: يَا أبَا الْقَاسِمِ مَا تَقُولُ فِي الرُّوحِ؟ فَسَكَتَ، ثُمَّ قَامَ فَاشْتَدَّ بيَدِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَعَرَفْتُ أنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ وَحْيٌ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ... } الآية).

وعنِ ابن عبَّاس: (أنَّ الْيَهُودَ اجْتَمَعُواْ فَقَالُواْ لِقُرَيْشٍ: سَلُوا مُحَمَّداً فِي ثَلاَثٍ، فَإنْ أخْبَرَكُمْ باثْنَيْنِ وَأمْسَكَ عَنِ الثَّالِثَةِ فَهُوَ نبيٌّ، سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ مَضَوا فِي الزَّمَانِ، وَعَنْ رَجُلٍ بَلَغَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَاسْأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ. فَسَأَلُوهُ عَنْ ذلِكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي الْفِتْيَةِأَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ } [الكهف: 9]... إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، وَأنْزَلَ اللهُوَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } [الكهف: 83]... إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، وَأنْزَلَ اللهُ فِي الرُّوحِ { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ... } الآيَةُ، وإنَّمَا سَأَلَتْهُ الْيَهُودُ عَنِ الرُّوحِ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ قِصَّتُهُ وَلاَ تَفْسِيرُهُ، وَلَيْسَ فِيهَا إلاَّ ذِكْرُ اسْمِهِ الرُّوحُ).

وقال سعيدُ بن جبير: (لَمْ يَخْلُقِ اللهُ خَلْقاً أعْظَمَ مِنَ الرُّوحِ غَيْرَ الْعَرْشِ، لَوْ شَاءَ أنْ يَبْلَعَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالأَرْضَ السَّبْعِ وَمَنْ فِيْهِمَا بلُقْمَةٍ فَعَلَ، صُورَةُ خَلْقِهِ عَلَى صُورَةِ الْمَلاَئِكَةِ، وَصُورَةُ وَجْهِهِ عَلَى وَجْهِ الآدَمِيِّينَ، وَلَوْلاَ أنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَلاَئِكَةِ سِتْراً مِنْ نُورٍ لاحْتَرَقَتِ السَّمَاوَاتُ مِنْ نُوره).

ويقالُ: أرادَ بالرُّوحِ روحَ الحيوانِ وهو ظاهرُ الكلامِ، وفي روحِ الحيوان خِلافٌ بين العلماءِ، وكلُّ حيوانٍ فهو روحٌ وبَدَنٌ، وروحُ الحيوان جسمٌ رقيق على بُنيَةٍ حيوانيَّة، في كلِّ جُزءٍ منها حياةٌ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } أي من الأمرِ الذي لا يعلمهُ إلا ربي، وإنما لم يُجِبْهُمْ عن ذلك؛ لأن اليهودَ هم الذين سألوهُ عن الروحِ، وكان في كتابهم أنه إنْ أجابَهم عن الروحِ فليس بنبيٍّ! فلم يُجِبهُم تصديقاً لِمَا في كتابهم، وكانت المصلحةُ في هذا أن لا يُعرِّفَهم الروحَ من جهة النصِّ، بل يكلِّمُهم في تعريفهِ إلى ما في عقولهم، لِمَا في ذلك من الرياضةِ باستخراج الفائدة.

وقال بعضُهم: هو الدمُ! ألا ترَى أنه مَن نَزَفَ دمهُ ماتَ، والْمَيْتُ لا يَفْقُدُ من جسمهِ إلا الدمَ.

السابقالتالي
2