الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } * { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً } * { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً }؛ أي لقد كِدْتَ تَميلُ إليهم، قال ابنُ عبَّاس: (يَعْنِي حِينَ سَكَتَّ عَنْ جَوَابهِمْ). قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ }؛ أي إنَّكَ لو مِلْتَ إليهم لأذقناكَ ضِعْفَ عذاب الدُّنيا، وضعفَ عذاب الآخرة، يريدُ عذابَ الآخرةِ ضِعْفَ ما يُعذبُ به غيرهُ، { ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً }؛ أي مَانِعاً يَمنعُنَا من تعذيبكَ، قال ابنُ عبَّاس: (وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ، وَلَكِنْ هَذا تَخْوِيفاً لأُمَّتِهِ؛ لِئَلاَّ يَرْكَنَ أحَدٌ منَ الْمُؤْمِنِينَ إلَى أحَدٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ أحْكَامِ اللهِ تَعاَلَى وَشَرَائِعِهِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ لاَ تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلاَ أدْنَى مِنْ ذلِكَ ".

وذهبَ السديُّ في هذه الآياتِ: (إلَى أنَّ قُرَيْشاً قَالَتْ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّكَ تَرْفُضُ آلِهَتَنَا كُلَّ الرَّفْضِ، فَلَوْ أنَّكَ تأْتِيهَا وَتَلْمِسُهَا وَتَبْعَثُ بَعْضَ وَلَدِكَ فَيَمْسَحُهَا، كَانَ أرَقَّ لِقُلُوبنَا وَأحْرَى أنْ نَتَّبعَكَ! فَهَمَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَبْعَثَ بَعْضَ وَلَدِهِ فَيَمْسَحَهَا، فَنَهَاهُ اللهُ عَنْ ذلِكَ). ويقال: إنَّهم قالوا: أُطْرُدْ سِقَاطَ الناسِ وموالِيهم، هؤلاءِ الذين رائحتُهم كرائحةِ الضَّأنِ حتى نتَّبعَكَ، فَهَمَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يفعلَ رجاءَ أن يُسلِمُوا، فأنزلَ اللهُ هذه الآياتِ.

وقولهُ تعالى: { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا }؛ وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لِمَّا قَدِمَ المدينةَ، حسَدَتْهُ اليهودُ قالوا له: يَا مُحَمَّدُ أنَبيٌّ أنْتَ؟ فَقَالَ: " نَعَمْ " قَالُواْ لَهُ: وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَذِهِ بأرْضِ الأَنْبيَاءِ، وَإنَّ أرْضَ الأَنْبيَاءِ الشَّامُ، كَانَ بهَا إبْرَاهِيمُ وَعِيسَى، فَإنْ كُنْتَ نَبيّاً فَأْتِ الشَّامَ، فَإنَّ اللهَ سَيَمْنَعُكَ بهَا مِنَ الرُّومِ إنْ كُنْتَ رَسُولَهُ، وَهِيَ الأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ وَأرْضُ الْمَحْشَرِ. فَهَمَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَخْرُجَ إلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بهَذِهِ الآيَةِ. ومعناها: وقد كَادُوا ليَستَفِزُّونَكَ من أرضِ المدينة ليُخرِجُوكَ منها إلى الشَّامِ، { وَإِذاً }؛ لو أخرَجُوكَ، { لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً }؛ أي الاَّ مدَّةً يسيرةً حتى يُهلِكَهم اللهُ. ومن قرأ (خِلاَفَكَ) فمعناهُ: مُخالَفَتِكَ.