الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } * { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ }؛ قد تقدَّمَ تفسيرُ ذلك. وقولهُ تعالى: { قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً }؛ أي قالَ إبليسُ: أأسجدُ لآدم وهو مخلوقٌ من طينٍ؟ وهذا استفهامٌ بمعنى الإنكار، ونُصِبَ (طِيناً) على الحالِ.

قال اللهُ تعالى حَاكياً عن إبليس: { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } أي قالَ إبليس: أخبرنِي عن هذا الذي كرَّمتهُ عليَّ، لِمَ كرَّمتَهُ علَيَّ، وقد خلَقتَني من نارٍ وخلقتهُ من طينٍ؟! اعتقدَ إبليس أنَّ النارَ أكرَمُ أصلاً من الطينِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً }؛ أي لأَستَأْصِلَنَّ ذُرِّيتَهُ بإغوائِهم، إلاَّ قليلاً منهم وهمُ الذين عصَمتَهم مني، تقولُ العربُ: احْتَنَكَتِ السَّنَةُ أمْوالَنَا؛ أي استأْصَلَتْهَا، قال الشاعرُ:
أشْكُو إلَيْكَ سَنَةً قَدْ أجْحَفَتْ   وَاحْتَنَكَتْ أمْوَالَنَا وَاجْتَلَفَتْ
وَاحْتَنَكَتْ حَلَقَتْ، وَاحْتَنَكَتِ الْجَرَادُ مَا عَلَى الأَرْضِ. وَقِيْلَ: معنى { لأَحْتَنِكَنَّ } أي لأقتَطِعَنَّ ذُرِّيتَهُ إلى المعاصي، يقالُ: احْتَنَكَ فلانٌ ما عندَ فلانٍ من مالٍ، إذا اقتطعَهُ. وَقِيْلَ: معناهُ: لأَقُودَنَّ ذُريَّتَهُ إلى المعاصِي وإلى النار، مِن قولهم: حَنَكَ دَابَّتَهُ يَحْنِكُهَا من الأَسْفَلِ بحَبْلٍ يَقُودُهَا بهِ.