قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ }؛ معطوفٌ على قولهِ{ ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } [الرعد: 20] ومعناهُ: الذين صَبَروا على أداءِ الفرائض واجتناب المحارم ومُقَاسَاةِ شدائدِ الدُّنيا لطلب ثواب الله ورضاهُ، { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ }؛ المفروضةَ، { وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً }؛ أي أخرَجُوا من أموالهم جميعاً الصَّدقاتِ المفروضات خِفْيَةً وجهراً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } ، وإنما يكون دَرْؤُهم بالحسنةِ السيئةَ على وجهين، أحدُهما: العِلْمُ والوعظُ بالكلام الحسَنِ، والثاني: أن يقاتِلُوهم ويقبضُوا على أيديهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }؛ أي أهلُ هذه الصِّفة لهم الدارُ التي أعقَبَتها لهم أعمالُهم وهي الجنَّة. ثم بيَّن اللهُ صفةَ الجنة فقال: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا }؛ قال ابنُ عبَّاس: (وَهِيَ وَسَطُ الْجَنَّةِ، وَهِيَ مَعْدِنُ الأَنْبيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحينَ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ }؛ أي ويدخُلها مَن صَلُحَ من آبائهم وأزواجِهم وذُرِّياتِهم، { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } يعني من أبواب البساتين يقولون لَهم: { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ } على شدائدِ الدُّنيا، وعلى المشقَّة في طاعةِ الله، فنِعْمَ الدارُ التي أعقَبَتها لهم أعمالهم، قال ابنُ عبَّاس: (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أهْلِ جَنَّاتِ عَدْنٍ جَنَّةٌ مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ لَهَا ألْفُ بَابٍ مِصْرَاعُهُ مِنَ الذهَبِ، يَدْخُلُ عَليَْهِ مِنْ كُلِّ بَابٍ مَلَكٌ يَقُولُونَ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بمَا صَبَرْتُمْ، { فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }.