الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } * { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ }؛ فيه إضمارٌ، تقديرُ الكلامِ: فرجعَ الرسولُ إلى الملِك فأعلمَهُ بذلكَ، فأرسلَ الملكُ إلى النسوةِ فأحضرَهنَّ، ثم قالَ لهن: { مَا خَطْبُكُنَّ } أي ما شأنُكن إذا طلبتُنَّ يوسف عن نفسهِ، { قُلْنَ حَاشَ للَّهِ }؛ هذا جوابُ النسوةِ للملك بكلمة التَّنْزِيهِ، نزَّهنَ يوسفَ عن ما اتُّهِمَ بهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوۤءٍ }؛ أي من قبيحٍ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلآنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ }؛ أي تَبَيَّنَ وظهرَ الحقُّ ليوسف، { أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ }؛ أي دعوتهُ إلى نفسي، { وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ }؛ في قولهِ إنه لَمْ يُراودْنِي.

قال ابنُ عبَّاس: (فَرَجَعَ صَاحِبُ الشَّرَاب إلَى يُوسُفَ فَأَخْبَرَهُ بذلِكَ، فَقَالَ يُوسُفُ: { ذٰلِكَ } ، الَّذِي فَعَلْتُ مِنْ رَدِّي رَسُولَ الْمَلِكِ إلَيْهِ فِي شَأْنِ النِّسْوَةِ) { لِيَعْلَمَ } العزيزُ، { أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ } في زوجتهِ في حال غَيْبَتهِ عنِّي.

قال أهلُ الوعظ: فقال جبريلُ: بل ولاَ هَمَمْتَ بها، فقال يوسفُ: { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ }؛ فإن صحَّت هذه الروايةُ كان المعنى: وما أُبَرِّئُ نفسي من الْهَمِّ؛ أي ما أُزَكِّيها، وتزكيةُ النفسِ مما يُذمُّ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ }؛ أي بالقبيحِ، وذلك لكثرةِ ما تَشتَهيهِ وتسارعُ إليه. قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ }؛ أي إلا ما عَصَمني ربي بلُطفِه، و(ما) بمعنى (من)، كقولهِفَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } [النساء: 3]، وفي هذا دليلٌ أنَّ أحداً لا يمتنعُ من المعصيةِ إلا بعصمةِ الله، وقولهُ تعالى: { إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }؛ أي غفورٌ لذنوب المذنِبين، رحيمٌ بهم بعد التوبةِ.