الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } * { يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } * { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ }؛ قالَ صاحبُ الشَّراب الذي نَجَا من السِّجنِ والقتل وتذكَّر بعد سِنين، ويقالُ: هذا بعدَ انقراضِ أُمَّة، والأُمَّة في اللغة هي المدَّة الكثيرةُ كما أنَّها في الجماعةِ الجماعةُ الكثيرة. ومَن قرأ (بَعْدَ أُمَّةٍ) فمعناهُ: بعدَ نسيانٍ.

وقولهُ تعالى: { أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ } قولُ صاحب الشَّراب لَمَّا عجزَ الكهنةُ عن تأويلِ رُؤيا الملكِ، جاءَ ووقفَ بين يديه فخاطبَهُ بلفظِ الجماعة كما يخاطَبُ الملكُ، وقال: أنا أخبرُكم بتعبيرِ هذه الرُّؤيا، فأَرسِلُون إلى السِّجن. ثم قالَ: إنَّما كنتُ عصَيتُ فحبَستَني أنا وخبَّازُكَ، فرَأينا فيها رُؤْيا فقصَصْنَاها على رجُلٍ في السجنِ عالِمٍ صالح صادقٍ، فأخبَرَنا بها فكان كما أخبرَ، فأرسِلُون إليه. فأرسلوهُ فدخلَ السجنَ وقال: { يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ }؛ وحذفَ كلمةَ النداءِ اختصاراً، والصِّدِّيقُ: الذي يَجرِي على عاداتهِ في الصِّدق والتصديق بالحقِّ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ }؛ خرَجْنَ من نَهر بيتٍ تبعَهُنَّ { يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ }؛ بقراتٍ، { عِجَافٌ }؛ هالِكات من الهزالِ، وفي { وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ }؛ التَوَينَ على الْخُضْرِ وغَلَبْنَ خُضرَتَهن. قولهُ تعالى: { لَّعَلِّيۤ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ }؛ أي لإِنَّ أرجِعَ بتأويلِ ذلك إلى الملِك والناسُ يعلمونَهُ.

فقال له يوسفُ: أما سبعُ بقراتٍ سِمَانٍ فهي سبعُ سنين خَصْبَةٍ، وأما سبعُ بقرات عِجَافٍ فهي السُّنون السَّبع الْجَدْبَةِ، وأما سبعُ سُنبلات يابساتٍ فهو القحطُ والغَلاءُ في السِّنين الجدبَة، ثم عَلَّمَهُ يوسفُ عليه السلام كيف يصنَعون، كما قَالَ اللهُ تَعَالَى: { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً }؛ أي على ما هو عادتُكم في الزراعةِ، وَقِيْلَ: معنى قوله { دَأَباً } بجِدٍّ واجتهادٍ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ }؛ أي فما حصَدتُم من الزَّرعِ، فاتركوهُ في سُنبُلِهِ ولا تدرسوهُ، { إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ }؛ مِن ذلك في كلِّ سَنة، وإنما أمَرَهم بهذا؛ لأن الحنطةَ إذا كانت في سُنبلها كانت أبقَى منها اذا دُرسَتْ، فإنَّها إذا دُرست تآكَلَت، وفَسَدت بمُضِيِّ المدَّة عليها.