* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ }؛ قال ابنُ عبَّاس: (هُنَّ أرْبَعُ نِسْوَةٍ: أمْرأَةُ سَاقِي الْمَلِكِ، وَامْرَأةُ خَبَّازِهِ، وَامْرَأَةُ صَاحِب سِجْنِهِ، وَامْرَأَةُ صَاحِب دَوَابهِ، قُلْنَ فِي امْرَأةِ الْعَزِيزِ: إنَّهَا تَدْعُو عَبْدَهَا إلَى نَفْسِهَا).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً }؛ قد خَرَقَ حبُّهُ حجابَ قلبها فلا يعقلُ غيره، ويقال: قد أحبَّتهُ حتى دخلَ حُبُّهُ شِغَافَ قَلبها. والشِّغَافُ: جلدةٌ تشتملُ على القلب، يقالُ: شَغفَهُ إذا رماهُ فأصابَ ذلك الموضعِ منه كما يقالُ كَبَدَهُ إذا أصابَ كَبدَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { حُبّاً } نُصِبَ على التمييزِ كأنَّهُنَّ قُلنَ: أصابَ حبُّه وسطَ قلبها وسويداءَ قلبها. وقرأ أبو رجاءٍ والشعبي: بالعين المهملة، ومعناه ذهبَ بها الحبُّ كلَّ مذهبٍ، مشتقٌ من شِعَافِ الجبالِ أي رُؤوسها. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }؛ أي في الخطأ البيِّن.
قال ابنُ عبَّاس: (فَجَعَلْنَ يُفْشِينَ هَذا فِي الْمَدِينَةِ، فَبَلَغَ ذلِكَ زُلَيْخَا) فهو قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ }؛ أي فلما سَمعت بكلامَ هؤلاء النِّسوة وذمِّهن لها أرسَلت إليهنَّ، فدَعَتهُنَّ لوليمةٍ أعدَّتْها لهن، ويقال: إنما سُمي قولُ النسوةِ مَكْراً؛ لأنَّها كانت أطلَعَتْهُنَّ واستكتَمَتْهن فأَفْشَيْنَ سِرَّها.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً }؛ أي أصلَحت وهيَّأَتْ لهن أمكنةً يقعُدن عليها، ووسائدَ يتَّكِينَ عليها، وفي قراءة ابنِ عباس (مُتْكاً) بالتخفيف بغير همز، قال: (وَالْمُتْكُ: الأَتْرُجّ).
قال وهبُ: (دَعَتْ أرْبَعِينَ امْرأَةً، وَأعَدَّتْ لَهُنَّ أتْرُجاً وَبطِّيخاً). قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً }؛ لتقطعَ بها الفواكِهَ والأُترج على ما جَرت به العادةُ، ويقال: كانت وضَعت لَهُنَّ خُبزاً ولَحماً وهذه الفواكه، { وَقَالَتِ }؛ ليوسُف: { ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ }؛ وذلك أنَها كانت قد أجْلَسَتهُ في مجلسٍ غير الذي كُنَّ جلسنَ فيه. قال عكرمةُ: (وَكَانَ فَضْلُ يُوسُفَ عَلَى النَّاسِ فِي الْحُسْنِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى النُّجُومِ).
وعن أبي سعيدٍ الخدري قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " " مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي فَرَأيْتُ يُوسُفَ عليه السلام، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذا؟ فَقَالَ: يُوسُفَ " قَالَ: كَيْفَ رَأيْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ " " ورُوي أن يوسف عليه السلام كان إذا مشَى في أزِقَّة مصرَ يُرى نورُ وجههِ على الجِدَارَاتِ كما ترى نورَ الشمسِ والماء على الجدار.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } فخرجَ عليهن، { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ }؛ أي عَظُمَ عندَهُن، وَ؛ بلغَ من شَغْلِ قُلوبهن برؤيته ما، { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ }؛ بالسَّكاكين. قال قتادةُ: (قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ حَتَّى ألْقَيْنَهَا وَهُنَّ لاَ يَشْعُرْنَ)، ويقالُ: معنى (أكْبَرْنَهُ) أي حِضْنَ، ويقال: معنى (أكْبَرْنَ) آمَنَّ. قِيْلَ: أنَّهن كُنَّ يقَطِّعن أيديهن وهن يحسَبن أنَّهن يُقَطِّعنَ الأتْرَجُ، ولم يجدن الألَمَ لاشتغالِ قُلوبهن برؤيةِ يوسف. قال وهب: (وَبَلَغَنِي أنَّ سَبْعاً مِنَ الأرْبَعِينَ مِمَّنْ كُنَّ فِي ذلِكَ الْمَجْلِسِ وَجَدْنَ بيُوسُفَ عليه السلام).