الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ }؛ قال ابنُ عبَّاس: (هُنَّ أرْبَعُ نِسْوَةٍ: أمْرأَةُ سَاقِي الْمَلِكِ، وَامْرَأةُ خَبَّازِهِ، وَامْرَأَةُ صَاحِب سِجْنِهِ، وَامْرَأَةُ صَاحِب دَوَابهِ، قُلْنَ فِي امْرَأةِ الْعَزِيزِ: إنَّهَا تَدْعُو عَبْدَهَا إلَى نَفْسِهَا).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً }؛ قد خَرَقَ حبُّهُ حجابَ قلبها فلا يعقلُ غيره، ويقال: قد أحبَّتهُ حتى دخلَ حُبُّهُ شِغَافَ قَلبها. والشِّغَافُ: جلدةٌ تشتملُ على القلب، يقالُ: شَغفَهُ إذا رماهُ فأصابَ ذلك الموضعِ منه كما يقالُ كَبَدَهُ إذا أصابَ كَبدَهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { حُبّاً } نُصِبَ على التمييزِ كأنَّهُنَّ قُلنَ: أصابَ حبُّه وسطَ قلبها وسويداءَ قلبها. وقرأ أبو رجاءٍ والشعبي: بالعين المهملة، ومعناه ذهبَ بها الحبُّ كلَّ مذهبٍ، مشتقٌ من شِعَافِ الجبالِ أي رُؤوسها. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }؛ أي في الخطأ البيِّن.

قال ابنُ عبَّاس: (فَجَعَلْنَ يُفْشِينَ هَذا فِي الْمَدِينَةِ، فَبَلَغَ ذلِكَ زُلَيْخَا) فهو قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ }؛ أي فلما سَمعت بكلامَ هؤلاء النِّسوة وذمِّهن لها أرسَلت إليهنَّ، فدَعَتهُنَّ لوليمةٍ أعدَّتْها لهن، ويقال: إنما سُمي قولُ النسوةِ مَكْراً؛ لأنَّها كانت أطلَعَتْهُنَّ واستكتَمَتْهن فأَفْشَيْنَ سِرَّها.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً }؛ أي أصلَحت وهيَّأَتْ لهن أمكنةً يقعُدن عليها، ووسائدَ يتَّكِينَ عليها، وفي قراءة ابنِ عباس (مُتْكاً) بالتخفيف بغير همز، قال: (وَالْمُتْكُ: الأَتْرُجّ).

قال وهبُ: (دَعَتْ أرْبَعِينَ امْرأَةً، وَأعَدَّتْ لَهُنَّ أتْرُجاً وَبطِّيخاً). قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً }؛ لتقطعَ بها الفواكِهَ والأُترج على ما جَرت به العادةُ، ويقال: كانت وضَعت لَهُنَّ خُبزاً ولَحماً وهذه الفواكه، { وَقَالَتِ }؛ ليوسُف: { ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ }؛ وذلك أنَها كانت قد أجْلَسَتهُ في مجلسٍ غير الذي كُنَّ جلسنَ فيه. قال عكرمةُ: (وَكَانَ فَضْلُ يُوسُفَ عَلَى النَّاسِ فِي الْحُسْنِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى النُّجُومِ).

وعن أبي سعيدٍ الخدري قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " " مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي فَرَأيْتُ يُوسُفَ عليه السلام، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذا؟ فَقَالَ: يُوسُفَ " قَالَ: كَيْفَ رَأيْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ " " ورُوي أن يوسف عليه السلام كان إذا مشَى في أزِقَّة مصرَ يُرى نورُ وجههِ على الجِدَارَاتِ كما ترى نورَ الشمسِ والماء على الجدار.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } فخرجَ عليهن، { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ }؛ أي عَظُمَ عندَهُن، وَ؛ بلغَ من شَغْلِ قُلوبهن برؤيته ما، { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ }؛ بالسَّكاكين. قال قتادةُ: (قَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ حَتَّى ألْقَيْنَهَا وَهُنَّ لاَ يَشْعُرْنَ)، ويقالُ: معنى (أكْبَرْنَهُ) أي حِضْنَ، ويقال: معنى (أكْبَرْنَ) آمَنَّ. قِيْلَ: أنَّهن كُنَّ يقَطِّعن أيديهن وهن يحسَبن أنَّهن يُقَطِّعنَ الأتْرَجُ، ولم يجدن الألَمَ لاشتغالِ قُلوبهن برؤيةِ يوسف. قال وهب: (وَبَلَغَنِي أنَّ سَبْعاً مِنَ الأرْبَعِينَ مِمَّنْ كُنَّ فِي ذلِكَ الْمَجْلِسِ وَجَدْنَ بيُوسُفَ عليه السلام).

السابقالتالي
2