الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } * { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ }؛ قال أكثر المفسِّرين: القائلُ بهذا هو يَهُودَا، وكان أعقلَهم وأشدَّهم قوةً، والمعنى أنه قالَ لهم اطرحوهُ في قعرِ البئر، { يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ }؛ على الطريقِ. والغَيَابَةُ: هو الموضعُ الذي غابَ عن بصَرِكَ، والْجُبُّ: هو البئرُ التي لم يُطْوَ بالحجارةِ.

قَوْلهُ تَعَالَى: { إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }؛ معناهُ: قال لَهم: إنْ كُنتم لا بدَّ فَاعِلين به أمراً فَاعْدِلُوا إلى هذا الأمرِ، وإلاَّ فاتركُوا كلَّ ذلك. والظاهرُ من قولهِ (الْجُب) أنه جُبُّ مُشار إليه معروفٌ، قال وهب: (هُوَ بأَرْضِ الأُرْدُنِّ عَلَى ثَلاَثَةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَنْزِلِ يَعْقوبَ).

فلمَّا أبْرمُوا هذا التدبيرَ وعَزَمُوا عليهِ تلَطَّفوا بالوصُول إلى مُرادِهم، وجَاؤُا إلى أبيهم، فقالوا كما قالَ اللهُ: { قَالُواْ يَٰأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ }؛ أي مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عليه، فتُرسِلَهُ معنا وإنَّا له لناصحون في الرَّحمةِ والبرِّ. قولهُ: { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ }؛ أي يذهبُ ويجيء وينشطُ؛ ويقرأ كلاهما بالنُّون والياءِ.

والرَّتْعُ: هو التردُّدُ يَميناً وشِمالاً للاتساعِ في الملاذِ. ومن قرأ (يَرْتَعْ) بالياء فهو من يَرْتَعُ؛ أي يرعَى ماشيتَهُ، واللَّعِبُ: هو الفعلُ الذي يطلبُ منه التَّفْرِيحُ من غيرِ عاقبةٍ محمودة، وهو على وَجهين: مباحٌ ومحظور، كما قالَ عليه السلام: " كُلُّ لَعِبٍ حَرَامٌ إلاَّ ثَلاَثَةٌ: مُلاَعَبَةُ الرَّجُلِ أهْلُهُ، وَنَبْلُهُ بقَوْسِهِ، وَتأَدِيبُهُ فَرَسَهُ " { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }؛ عن الأَسْوَاءِ؛ وعن كلِّ ما يخافُ عليه.