الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا }؛ قال ابنُ عبَّاس: (وَذلِكَ أنَّ اللهَ أوْحَى إلَيْهِ أنَّ مَوْعِدَكَ أنْ يَخْرُجَ الْمَاءُ مِنْ آخِرِ مَكَانٍ فِي دَاركَ وَهُوَ تَنُّورُ الْخَابزَةِ، تَنُّورُ آدَمَ عليه السلام كَانَ يَوْمَ حَجَّ نُوحٌ عليه السلام رَأى تَنُّورَ آدَمَ عليه السلام فَحَمَلَهُ مَعَهُ، وَوَهَبَهُ اللهُ تَعَالَى لَهُ).

ثمَّ قَالَ لَهُ: إذا رَأَيْتَ الْمَاءَ قَدْ فَاضَ مِنْهُ فَاحْمِلْ فِي السَّفِينَةِ مَا أُمِرْتَ بهِ مِنْ أجْنَاسِ الْحَيْوَانِ، { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ }؛ واحمِلْ؛ { وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ }؛ بالعذاب وهي امرأتهُ الكافرة وابنهُ كنعان استثنَاهما اللهُ من جُملة أهلهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَنْ آمَنَ }؛ أي احمِلْ مَن آمَنَ معكَ أيضاً في السَّفينة، وقال ابنُ عبَّاس وعكرمة والزهريُّ: (مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } أيِ انْبَجَسَ الْمَاءُ عَلَىَ وَجْهِ الأَرْضِ). وقال عليٌّ رضي الله عنه: (وَفَارَ التَنُورُ؛ أيْ طَلَعَ الْفَجْرُ).

وقولهُ تعالى: { جَآءَ أَمْرُنَا } أي عذابُنا، وقولهُ تعالى: { قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي احمِلْ في السفينةِ من كلِّ زوجين اثنين، الذكَرُ زوجٌ والأُنثى زوجٌ، وهو قولُ الحسنِ ومجاهد وقتادة؛ قالوا: (ذكَراً وَأُنْثَى).

فلما فارَ الماءُ من التَّنورِ أرسلَ الله السماءَ بمطرٍ شديد، فأقبلتِ الوحوشُ حين أصابَها مطرُ السماءِ إلى نوح وسُخِّرت، فحَمل في السفينةِ من كلِّ طير زَوجين، ومن كلِّ وحشٍ زوجين، وكلِّ دابَّة وبَهيمة زَوجين، ومن كلِّ سَبُعٍ زوجين، وحمَلَ من البقرِ والغنم خمسةَ أزواجٍ.

وبعثَ اللهُ جبريلَ فقطعَ فِقَارَ العقرب، وضربَ فمَ الحيَّة فحمَلَها في السَّفينة، وكانت السماءُ تُمْطِرُ، وكان هو عندَ قومهِ يحذِّرُهم حتى ابتلَّت أقدامُهم، وصارَ الماءُ إلى الكعبَين، ثم حذرَهم حتى صارَ الماءُ إلى نصفِ الساق، ثم حذرَهم حتى صارَ إلى الرُّكَب وإلى الْحِقْوَيْنِ، كلُّ ذلك يحذِّرُهم ويُنذِرهم، وكان يَنُوحُ ويَبكِي عليهم، وقال ابنُ عبَّاس: (سُمِّيَ نُوحاً، لأنَّهُ كَانَ يَنُوحُ عَلَى الإسْلاَمِ حَيْثُ لَمْ يُقِرَّ به قَوْمُهُ).

فلمَّا بلغَ الماءُ الشِّدْوَةَ قالَ: غَرِقَ قَومِي، ثم قال لابنهِ كنعانُ: (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا) فكَثُرَ الماءُ حتى صار فوقَ الجبالِ خمسةَ عشر ذِراعاً بالذراع الأول، وكان للسفينةِ ثلاثةُ أبوابٍ بعضُها أسفل من بعضٍ، حملَ في الباب الأسفل السِّباع والهوامَّ، وفي الباب الأوسط الوحْشَ والبهائِمَ، وفي الباب الأعلَى بني آدمَ، وكانوا ثمانين إنساناً، أربعين رجُلاً وأربعين امرأةً، سِوَى التي غَرِقَتْ، وثلاثةَ بنين: سَامٌ وحَامٌ وَيَافِثُ، ونساؤُهم وإثنان وسَبعُون إنساناً فيهم الْخَضِرُ وهو ابنُ بنتِ نوحٍ.

واختلَفُوا في مقدار السفينة، قال الحسنُ: (كَانَ طُولُهَا ألْفاً وَمِائَتَي ذِرَاعٍ، وَعَرْضُهَا سِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ)، وقال ابنُ عبَّاس: (كَانَ طُولُهَا ثَلاَثمِائَةِ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهَا خَمْسِينَ ذِرَِاعاً، وَارْتِفَاعُهَا ثَلاَثِينَ) وهو قولُ قتادةَ قال: (وَكَانَ لَهَا بَابَانِ فِي عَرْضِهَا).

وقولهُ تعالى: { وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } أي واحمِلْ أهلَكَ، يعني ولدَهُ وعياله، { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } يعني امرأتَهُ وأهله وابنهُ كنعان، و { وَمَنْ آمَنَ } يعني واحمِلْ مَنْ آمنَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }؛ أي إلا نفرٌ قليل، قِيْلَ: ثَمانون إنساناً، وَقِيْلَ: ثلاثةُ بنين وثلاثُ كَنَائِن، الكَنَائِنُ: زوجاتُ البَنِين، وقال ابنُ جريج: (كَانُوا ثَمَانِيَةَ أنْفُسٍ).