الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ }

قولهُ: { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ }؛ يعني بحرَ الْقَلْزَمِ وهو بقُرب نيلِ مصرَ، جعلَهُ الله لهم يُبْساً حتى جاوزوهُ، { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً }؛ ليَبغُوا عليهم، { وَعَدْواً }؛ ويظلِمُوهم. قولهُ: { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ }؛ حتى إذا ألجمَ فرعونَ الغرقُ من إيمان الإنجاء فلم ينفعْهُ ذلك، فلما، { قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }؛ قال له جِبريلُ: { آلآنَ }؛ أي تؤمِنُ عند الغرقِ، { وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ }؛ بالكفرِ والمعاصي في وقتِ الْمُهْلَةِ.

رُوي عن ابنِ عباس: " أنَّ جِبْرِيلَ قالَ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: لَوْ رَأيْتَنِي وَفِرْعَوْنُ يَدْعُو بكَلِمَةِ الإخْلاَصِ وَأَنَا أدُسَّهُ فِي الْمَاءِ وَالطِّيِنِ لِشِدَّةِ غَضَبي عَلَيْهِ مَخَافَةَ أنْ يَتُوبَ فَيَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " يَا جِبْرِيلُ وَمَا شِدَّةُ غَضَبكَ؟ " قَالَ: يَا مُحَمَّدُ لِقَوْلِهِ أنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى وَهِيَ كَلِمَتُهُ الأََخِيرَةُ، وَإنَّمَا قَالَهَا حِينَ انْتَهَى إلَى الْبَحْرِ، وَكَلِمَتُهُ الأُوْلَى: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي، وَكَانَ بَيْنَ الأُوْلَى وَالأُخْرَى أرْبَعِينَ سَنَةً ".

وهذه الروايةُ صحيحةٌ إلاَّ قولهُ: (مَخَافَةَ أنْ يَتُوبَ فَيَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِ) لأنه لا يخلُوا إما أن يكون التكليفُ ثابتاً في ذلكَ الوقتِ أو غيرَ ثابتٍ، فإنْ كان ثَابتاً لم يَجُزْ على جبريل عليه السلام أنْ يَمنَعَهُ من التوبةِ، ولو منعَهُ من التكلُّم باللسانِ لكانت ندامةُ فرعون بالقلب كافيةً في توبتهِ؛ لأن الأخرسَ إذا تابَ بالندمِ بقلبهِ وعزَمَ على تركِ المعاودةِ إلى القبيح كانت توبتهُ صحيحةً.

وإن لم يكن التكليفُ ثابتاً في ذلك الوقتِ لم يكن للمنعِ عن التوبة معنى بوجهٍ من الوجُوهِ، وإنما لا يُقْبَلُ الإيمانُ في وقتِ الإلجاءِ؛ لأنَّ الذي يؤمِنُ في تلك الحالةِ يعلمُ أنه لو حاولَ خلافَ ما يُؤمَرُ به حِيلَ بينه وبينه، فلا يكون مُثاباً بإعلاءِ ذلك الإيمان معرفته من طريق الضرورةِ دون الاجتهاد.