الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

قَوْلُه تَعَالَى: { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ }؛ أي هو الذي جعل الشمسَ ضياءً للعالَمين بالنهارِ، والقمرَ نوراً بالليلِ.

رُوي في الخبرِ: أنَّ وجوهَهما إلى العرشِ وظهُورَهما إلى الأرضِ، يُضيء وجوهَهما لأهلِ السماوات السَّبع، وظهورهما لأهلِ الأرضين السبع، كما قالوَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } [نوح: 16].

قْوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَدَّرَهُ } أي قدَّرَ القمرَ منازلَ وهي ثمانٍ وعشرون منْزِلةً في كلِّ شهرٍ. وقيل معناه: { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } لا يجاوِزُها ولا يقصِرُوها، وَِقِيْلَ: جعل (قَدَّرَ) لهما يعدى إلى مفعولين، ويجوز أن يكون المعنى وقدَّرَهما، إلا أنه حذفَ التثنيةَ للاختصار والإيجاز، كما قال تعالى:وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [التوبة: 62].

قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ }؛ أي ما خلقَ اللهُ الشمسَ والقمر، إلا لتعلَمُوا الحسابَ وتعتَبروا بهما، وتستدلُّوا بطلوعِها وغروبها على صانعِهما.

وقوله: { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } أي لتعلَمُوا بالشمسِ حسابَ السنين وحسابَ الشُّهور والليالي والأيامِ على ما تقدَّمَ أن القمرَ يقطعُ في الشهرِ ما تقطعهُ الشمس في السَّنة، ويعني بقولهِ: { وَٱلْحِسَابَ } حسابَ الأشهُرِ والأيام والساعاتِ، وقولهُ تعالى: { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } ردَّهُ إلى الفعلِ والخلقِ والتدبيرِ، ولو أرادَ الأعيانَ المذكورة لقال: تِلْكَ إلا بالحقِّ، ثم يخلقهُ باطلاً، بل إظهارُ الصَّنعةِ، ودلالتهُ على قدرتهِ وحكمته.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }؛ أي نُبَيِّنُ علاماتِ وحدانيَّة اللهِ تعالى بأنه بعدَ آيةٍ { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } تفصيلَ الآياتِ. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص (يُفَصِّلُ) بالياء، واختاره أبو عُبيد وأبو حاتم لقولهِ قبلَهُ { مَا خَلَقَ } فيكون متَّبعاً له، وقرأ الباقون بالنُّون على التعظيمِ.