الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ }

قَوْلُهُ تَعَالَى { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } قوله عَزَّ وَجَلَّ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. تعليمٌ منه سُبْحَانَهُ؛ ليذكُروا اسْمَهُ عند افتتاحِ القراءة وغيرِها؛ تبَرُّكاً به. ومعناهُ أبداً: { بِسمِ ٱلله }؛ لأنَّ حرف الباءِ مع سائرِ حروف الجرِّ لا يستغني عن فعلٍ مُضْمَرٍ أو مُظْْهَرٍ؛ فكان ضميرُ الباء في هذه الآية: الأَمْرُ.

واختلفَ الناسُ في معنى اشتقاقِ الاسم؛ وأكثرُ أهلِ اللُّغَةِ على أنهُ مشتقٌّ من السُّمُوِّ؛ وهو الرِّفعةُ. ومعنى الاسمِ التنبيهُ على المسمَّى والدلالةُ عليه. وقال بعضُهم: مشتقٌّ من السِّمَةِ؛ وهي العلامةُ؛ فكان الاسمُ علامة للمسمَّى.

وأمَّا { ٱلله } فقال بعضُهم: هو اسمٌ لا اشتقاقَ له؛ مثل قولِكَ: فرسٌ؛ ورجلٌ؛ وجبلٌ؛ ومعناه عند أهل اللِّسان: المستحِقُّ للعبادةِ؛ ولذلك سَمَّتِ العربُ أصنامَهم: آلِهَةً؛ لاعتقادهم استحقاقَها للعبادةِ. وقال بعضُهم: هو من قولِهم: ألَهَ الرجلُ إلى فلان يَأْلَهُ إلاَهَةً؛ إذا فَزِعَ إليه مِنْ أمرٍ نَزَلَ به؛ فآلَهَهُ أي أجَارَهُ وَأمَّنهُ. ويقال للمَأْلُوهِ إلَيْهِ: إلَهاً. كما قالوا للمُؤتَمَّ به: إمَاماً؛ فمعناه أن الخلائقَ يَأْلَهُونَ ويتضرَّعون إليه في الحوائجِ والشدائد.

واختلفُوا في { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } هل هي آيةٌ من الفاتحةِ؟ فقال قُرَّاءُ الكوفة: هي آيةٌ منها؛ وأبَى ذلك أهلُ المدينة والبصرة. وأما قولهُ { الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } فهما اسْمان مأخوذان من الرَّحمةِ؛ وزنُهما من الفعلِ نَدِيْمٌ ونَدْمَانٌ من المنادمةِ، وفَعْلاَنُ أبلغُ من فعيلِ، وهو من أبْنِيَةِ المبالغةِ. ولا يكونُ إلا في الصفات؛ كقولكَ: شبعانٌ وغضبان؛ ولِهذا كان اسمُ { الرَّحْمٰنِ } مختصّاً باللهِ لا يوصَفُ به غيره. وأمَّا اسم { الرَّحِيـمِ } فمشتركٌ.

وعن عثمان رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنهُ قالَ: " الرَّحْمَنُ الْعَاطِفُ عَلَى جَمِيْعِ خَلْقِهِ بإدْرَار الرِّزْقِ عَلَيْهِمْ " فالرحمةُ من الله تعالى الإنعامُ على الْمُحتاج؛ ومن الآدميِّين رقَّة القلب؛ وإنَّما جمعَ بين الرَّحْمَنِ والرَّحِيْمِ للنهايةِ في الرَّحمة والإحسان بعد الاحتِنَانِ. وعنِ ابن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنهُ قال: [هُمَا اسْمَانِ رَقِيْقَانِ أحَدُهُمَا أرَقُّ مِنَ الآخَرِ] ولو قال: لَطِيْفَانِ لكان أحسنَ.

وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يكتبُ في أوائل الكتب في أوَّل الإسلام: [بسْمِكَ اللَّهُمَّ] حتى نزلَبِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا } [هود: 41]. فكتبَ { بِسْمِ ٱللَّهِ }. ثُم نَزَلَ:قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } [الإسراء: 110] فَكَتَبَ: { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ }. فنَزَلَ:بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [النمل: 30] في سورةِ النَّمل؛ فكتبَ حينئذٍ: { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ }.

فإن قيلَ: لِمَ قُدِّمَ اسمُ اللهِ على الرَّحمن؟ قيل: لأنهُ اسم لا ينبغي إلا للهِ عَزَّ وَجَلَّ. وقيل في تفسيرِ قولهِ تعالى:هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: 65] أي هل تعرفُ في السهلِ والجبل والبَرِّ والبحرِ والمشرِق والمغرب أحداً اسْمُهُ اللهُ غيرَ اللهِ؟ وقيل: هو اسْمُهُ الأعظمُ. وقُدِّمَ الرَّحْمَنَ على الرَّحِيْمِ؛ لأن الرحمنَ اسم خُصَّ به اللهُ؛ والرحيمُ مشتركٌ؛ يقال: رجلٌ رحيمٌ، ولا يقال: رجل رحمنٌ. وقيل: الرَّحْمَنُ أمدحُ؛ والرحيمُ أرأفُ.

وإنَّما أسقطت الألف من اسمِ الله وأصلهُ باسم الله؛ لأنَّها كثرت على ألسنةِ العرب عند الأكلِ والشُّرب والقيام والقعود؛ فحذفت اختصاراً من الخطِّ وإن ذُكرت اسماً غيرهُ من أسماءِ الله لَم تحذفِ الألفُ لقلَّة الاستعمال؛ نحو قولِكَ: باسمِ الرب، وباسمِ العزيز؛ وإن أتيتَ بحرفٍ سوى الباء لَمْ تحذفِ الألفَ أيضاً؛ نحو قولِكَ: لاسمِ الله حلاوةٌ في القلوب؛ وليس اسمٌ كاسمِ الله. وكذلك باسمِ الرَّحمنِ؛ واسمِ الجليلِ؛ وٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } [العلق: 1].