الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } * { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } * { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } * { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } * { وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } * { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } * { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } * { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } * { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } * { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } * { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا }

{ وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } الضحى ارتفاع الضوء وكماله، والضحاء بالفتح والمد بعد ذلك إلى الزوال، وقيل: الضحى النهار كله، والأول هو المعروف في اللغة { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } أي تبعها وفي اتباعه لها ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يتبعها في كثرة الضوء، لأنه أضوء الكواكب بعد الشمس، ولا سيما ليلة البدر: والآخر: أنه يتبعها في طلوعه لأنه يطلع بعد غروبها، وذلك في النصف الأول من الشهر والضمير الفاعل للنهار، لأن الشمس تنجلي بالنهار فكأنه هو الذي جلاّها، وقيل: الضمير الفاعل لله، وقيل: الضمير المفعول للظلمة أو الأرض أو الدنيا، وهذا كله بعيد لأنه لم يتقدم ما يعود الضمير عليه { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } أي يغطيها وضمير المفعول للشمس وضمير الفاعل لليل على الأصح { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } قيل: إن ما في قوله وما بناها وما طحاها وما سوّاها موصولة بمعنى من والمراد الله تعالى، وقيل: إنها مصدرية كأنه قال: والسماء وبنيانها، وضعف الزمخشري ذلك بقوله: فألهمها فإن المراد الله باتفاق، وهذا القول يؤدي إلى فساد النظم، وضعّف بعضهم كونها موصولة بتقديم ذكر المخلوقات على الخالق. فإن قيل: لم عدل عن من إلى قوله ما في قول من جعلها موصولة؟ فالجواب: أنه فعل ذلك لإرادة الوصفية كأنه قال والقادر الذي بناها { طَحَاهَا } أي مدها { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } تسوية النفس إكمال عقلها وفهمها، فإن قيل: لم نكّر النفس؟ فالجواب من وجهين: أحدهما: أنه أراد الجنس كقوله:عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ } [التكوير: 14] والآخر أنه أراد نفس آدم والأول هو المختار { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } أي عرّفها طريق الفجور والتقوى، وجعل لها قوة يصح معها اكتساب أحد الأمرين، ويحتمل أن تكون الواو بمعنى أو، كقوله:إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [الإنسان: 3] { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } هذا جواب القسم عند الجمهور، وقال الزمخشري: الجواب محذوف تقديره: ليدمدمَنّ الله على أهل مكة لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم، كما دَمْدم على قوم ثمود لتكذيبهم صالحاً عليه الصلاة والسلام، قال: وأما قد فلح فكلام تابع لقوله: { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } على سبيل الاستطراد، وهذا بعيد، والفاعل بزكاها ضمير يعود على من، والمعنى: قد أفلح من زكى نفسه أي طهّرها من الذنوب والعيوب، وقيل: الفاعل ضمير الله تعالى، والأول أظهر، { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } أي حقرها بالكفر والمعاصي، وأصله دسس بمعنى: أخفى فكأنه أخفى نفسه لما حقرها، وأبدل من السين الأخيرة حرف علة كقولهم: قصيّت أظفاري وأصله قصَصْتُ { بِطَغْوَاهَآ } هو مصدر بمعنى الطغيان قلبت فيه الياء واواً على لغة من يقول: طغيت، والباء الخافضة كقولك كتبت بالقلم أو سببية، والمعنى بسبب طغيانها وقال ابن عباس: معناه ثمود بعذابها ويؤيده قوله:فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } [الحاقة: 5] { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } العامل في إذ كذبت أو طغوها ومعنى انبعث: خرج لعقر الناقة بسرعة ونشاط، وأشقاها: هو الذي عقر الناقة وهو أحيمر ثمود واسمه قدار بن سالف، ويحتمل أن يكون أشقاها واقعاً على جماعة، لأن أفعل التي للتفضيل إذا أضفته يستوي فيه الواحد والجمع والأول أظهر وأشهر.