الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } * { حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } * { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } * { وَكَأْساً دِهَاقاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً } * { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً } * { رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } * { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } * { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }

{ مَفَازاً } أي موضع فوز يعني الجنة { حَدَآئِقَ } أي بساتين { وَكَوَاعِبَ } جمع كاعب وهي الجارية التي خرج ثديها { أَتْرَاباً } أي على سن واحد { وَكَأْساً دِهَاقاً } أي ملأى وقيل: صافية، والأول أشهر { عَطَآءً حِسَاباً } أي كافياً من أحسب الشيء إذا كفاه، وقيل: معناه على حسب أعمالهم { رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } بالرفع مبتدأ أو خبر ابتداء مضمر وبالخفض صفة لربك، والرحمٰنُ بالخفض صفة، وبالرفع خبر المبتدأ أو خبر ابتداء مضمر { لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } قال ابن عطية: الضمير للكفار أي لا يملكون أن يخاطبوه بمقدرة ولا غيرها، وقيل: المعنى لا يقدرون أن يخاطبهم كقوله: ولا يكلمهم الله، وقال الزمخشري: الضمير لجميع الخلق أي ليس بأيديهم شيء من خطاب الله { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ } قيل هو جبريل، وقيل: ملك عظيم يكون هو وحده صفاً والملائكة صفاً، وقيل: يعني أرواح بني آدم فهو اسم جنس، ويوم يتعلق بلا يملكون أو بلا يتكلمون { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ } الضمير للملائكة والروح، أي تمنعهم الهيبة من الكلام إلا من بعد أن يأذن الله لهم. وقول الصواب يكون في ذلك الموطن على هذا. وقيل: الضمير للناس خاصة والصواب المشار إليه قول: إلا إلٰه إلا الله أي من قالها في الدنيا { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ } أي الحق وجوده ووقوعه { فَمَن شَآءَ } تخصيص وترغيب { عَذَاباً قَرِيباً } يعني عذاب الآخرة ووصفه بالقرب لأن كل آت قريب، أو لأن الدنيا على آخرها { يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } المرء هنا عموم في المؤمن والكافر، وقيل: هو المؤمن وقيل: هو الكافر، والعموم أحسن، لأن كل أحد يرى ما عمل لقوله تعالى:فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [الزلزلة: 7] الآية { وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } يتمنى أن يكون يوم القيامة تراباً فلا يحاسب ولا يجازى، وقيل: تمنى أن يكون في الدنيا تراباً أي لم يخلق، وروي أن البهائم تحشر ليقتص لبعضهم من بعض ثم ترد تراباً، فيتمنى الكافر أن يكون تراباً مثلها، وهذا يقوّي الأول، وقيل: الكافر هنا إبليس يتمنى أن يكون خلق من تراب، مثل آدم وذريته لما رأى ثوابهم، وقد كان احتقر التراب في قوله:خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [الأعراف: 12].