الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } * { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } * { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } * { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } * { لِّلطَّاغِينَ مَآباً } * { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } * { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } * { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } * { جَزَآءً وِفَاقاً } * { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } * { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } * { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } * { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً }

{ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } يعني نفخة القيام من القبور { فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } أي جماعات { فَكَانَتْ أَبْوَاباً } أي تنفخ فتكون فيها شقاق كالأبواب { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ } أي حملت { فَكَانَتْ سَرَاباً } عبارة عن تلاشيها وفنائها، والسراب في اللغة: ما ظهر على البعد أنه ماء، وليس ذلك المراد هنا وإنما هو تشبيه في أنه لا شيء { مِرْصَاداً } أي موضع المرصاد والرصد هو الارتقاب والانتظار، أي تنتظر الكفار ليدخلوها، وقيل: معناه طريقاً للمؤمنين يمرون عليه إلى الجنة لأن الصراط منصوب على جهنم { مَآباً } أي مرجعاً { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } جمع حقبة أو حقب وهي المدة الطويلة من الدهر غير محدود، وقيل: إنها محدودة ثم اختلف في مقدارها، فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ثمانون ألف سنة، وقال ابن عباس: ثلاثون سنة وقيل ثلثمائة سنة، وعلى القول بالتحديد فالمعنى أنهم يبقون فيها أحقاباً، كلما انقضى حقب جاء إلى آخر إلى غير نهاية وقيل: إنه كان يقتضي أن مدة العذاب تنقضي، ثم نسخ بقوله: " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً " وهذا خطاب لأن الأخبار لا تنسخ، وقيل: هي في عُصاة المؤمنين الذين يخرجون من النار، وهذا خطأ لأنها في الكفار لقوله: { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } ، وقيل: معناه أنهم يبقون أحياناً لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً، ثم يبدل لهم نوع آخر من العذاب { لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } أي لا يذوقون برودة تخفف عنهم حر النار. وقيل: لا يذوقون ماء بارداً وقيل: البرد هنا النوم والأول أظهر { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } استثناء من الشراب وهو متصل، والحميم: الماء الحار. والغساق: صديد أهل النار، وقد ذكر في سورة داود [ص: 57] { جَزَآءً وِفَاقاً } أي موافقاً أعمالهم لأن أعمالهم كفر وجزاؤهم النار، ووفاقاً مصدر وصف به أو هو على حذف مضاف تقديره ذو وفاق { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } هذا مثل (لا يرجون لقاءنا) وقد ذكر { كِذَّاباً } بالتشديد مصدر بمعنى تكذيب وبالتخفيف بمعنى الكذب أو المكاذبة، وهي تكذيب بعضهم لبعض { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما نزل في أهل النار من هذه الآية ".