الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } * { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }

{ وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ } يجوز أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول به أي: ولقاؤهم الآخرة، أو من إضافة المصدر إلى الظرف { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ } هم بنو إسرائيل { مِن بَعْدِهِ } أي من بعد غيبته في الطور { مِنْ حُلِيِّهِمْ } بضم الحال والتشديد جمع حلى نحو ثدي وثدي، وقرئ بكسر الحاء للإتباع وقرئ بفتح الحاء وإسكان اللام، والحلي هو اسم ما يتزين به من الذهب والفضة { جَسَداً } أي جسماً دون روح، وانتصابه على البدل { لَّهُ خُوَارٌ } الخوار هو: صوت البقر، وكان السامري قد قبض قبضة من تراب أثر فرس جبريل يوم قطع البحر، فقذفه في العجل فصار له خوار، وقيل: كان إبليس يدخل في جوف العجل فيصيح فيه فيسمع له خوار { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ } ردّ عليهم، وإبطال لمذهبهم الفاسد في عبادته { ٱتَّخَذُوهُ } أي اتخذوه إلهاً، فحذف المفعول الثاني للعلم به، وكذلك حذف من قوله: واتخذ قوم موسى { سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ } أي ندموا يقال: سقط في يد فلان إذا عجز عما يريد أو وقع فيما يكره { أَسِفاً } شديد الحزن على ما فعلوه، وقيل: شديد الغضب كقوله:فَلَمَّآ آسَفُونَا } [الزخرف: 55] { بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي } أي قمتم مقامي، وفاعل بئس مضمر يفسره ما واسم المذموم محذوف، والمخاطب بذلك أما القوم الذين عبدوا العجل مع السامري حيث عبدوا غير الله في غيبة موسى عنهم، أو رؤساء بني إسرائيل كهارون عليه السلام، حيث لم يكفوا الذين عبدوا العجل { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } معناه: أعجلتم عن أمر ربكم، وهو انتظار موسى حتى يرجع من الطور، فإنهم لما رأوا أنّ الأمر قد تم ظنوا أن موسى عليه السلام قد مات فعبدوا العجل { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ } طرحها لما لحقه من الدهش والضجر غضباً لله من عبادة العجل { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ } أي شعر رأسه { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } لأنه ظن أنه فرَّط في كف الذين عبدوا العجل { ٱبْنَ أُمَّ } كان هارون شقيق موسى، وإنما دعاه بأمّه، لأنه أدعى إلى العطف والحنوّ، وقرئ ابن أم بالكسر على الإضافة إلى ياء المتكلم، وحذفت الياء بالفتح تشبيهاً بخمسة عشر جعَل الاسمان اسماً واحداً فبنى { وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } أي لا تظن أني منهم أو لا تجد عليَّ في نفسك ما تجدُ عليهم يعني أصحاب العجل { غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ } أي: غضب في الآخرة وذلة في الدنيا { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ } أي سكن، وكذلك قرأ بعضهم، وقال الزمخشري: قوله: سكت مثل كأن الغضب كان يقول له ألق الألواح وجُرّ برأس أخيك، ثم سكت عن ذلك { وَفِي نُسْخَتِهَا } أي فيما ينسخ منها، والنسخة فعلة بمعنى مفعول { لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } أي يخافون، ودخلت اللام لتقدّم المفعول كقوله:لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43]، وقال المبرِّد: تتعلق بمصدر تقديره رهبتهم لربهم.