الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ } تقدّم الكلام عليها في [البقرة: 173] { وَٱلْمُنْخَنِقَةُ } هي التي تخنق بحبل وشبهه { وَٱلْمَوْقُوذَةُ } هي المضروبة بعصا أو حجر وشبهه، { وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ } هي التي تسقط من جبل أو شبه ذلك، { وَٱلنَّطِيحَةُ } هي التي نطحتها بهيمة أخرى { وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } أي أكل بعضه، والسبع كل حيوان مفترس: كالذئب والأسد والنمر والثعلب والعقاب والنسر { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } قيل إنه استثناء منقطع، وذلك إذا أريد بالمنخنقة وأخواتها: ما مات من الاختناق والوقذ والتردية والنطح وأكل السبع، والمعنى: حرمت عليكم هذه الأشياء، لكن ما ذكيتم من غيرها، فهو حلال، وهذا قول ضعيف، لأنها إن ماتت بهذه الأسباب، فهي ميتة فقد دخلت في عموم الميتة فلا فائدة لذكرها بعدها، وقيل: إنه استثناء متصل، وذلك إن أريد بالمنخنقة وأخواتها ما أصابته تلك الأسباب وأدركت ذكاته، والمعنى على هذا: إلى ما أدركتم ذكاتها من هذه الأشياء فهو حلال، ثم اختلف أهل هذا القول هل يشترط أن تكون لم تنفذ مقالتها أم لا؟ وأما إذا لم تشرف على الموت من هذه الأسباب، فذكاتها جائزة باتفاق { وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } عطف على المحرمات المذكورة، والنصب حجارة كان أهل الجاهلية يعظمونها ويذبحون عليها، وليست بالأصنام لأن الأصنام مصوّرة والنصب غير مصوّرة وهي الأنصاب، والمفرد نصاب، وقد قيل: إن النصب بضمتين مفرد، وجمعه أنصاب { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلٰمِ } عطف على المحرمات أيضاً. والاستقسام هو طلب ما قسم له، والأزلام هي الهسام. واحدها زلم بضم الزاي وفتحها، وكانت ثلاثة قد كتب على أحدها: افعل: وعلى الآخر: لا تفعل، والثالث: مهمل، فإذا أراد الإنسان أن يعمل أمراً جعلها في خريطة كيس، وأدخل يده وأخرج أحدها، فإن خرج له الذي فيه افعل: فعل ما أراد، وإن خرج له الذي فيه لا تفعل تركه، وإن خرج المهمل أعاد الضرب { ذٰلِكُمْ فِسْقٌ } الإشارة إلى تناول المحرمات المذكورة كلها، أو إلى الاستقسام بالأزلام، وإنما حرمه الله وجعله فسقاً: لأنه دخول في علم الغيب الذي انفرد الله به، فهو كالكهانة وغيرها مما يرام به الاطلاع على الغيوب { ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } أي يئسوا أن يغلبوه ويطلبوه، ونزلت بعد العصر من يوم الجمعة يوم عرفة في حجة الوداع،. فذلك هو اليوم المذكور لظهور الإسلام فيه وكثرة المسلمين، ويحتمل أن يكون الزمان الحاضر لا اليوم بعينه { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } هذا الإكمال يحتمل أن يكون بالنصر والظهور أو بتعليم الشرائع وبيان الحلال والحرام { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } راجع إلى المحرمات المذكورة قبل هذا، أباحها الله عند الاضطرار { فِي مَخْمَصَةٍ } في مجاعة { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } هذا بمعنى غير باغ ولا عاد وقد تقدم في البقرة { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قام مقام فلا جناح عليه، وتضمن زيادة الوعد.