{ ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوۤاْ أَيْدِيَكُمْ } الآية، قيل: هي في قوم من الصحابة كانوا قد أمروا بالكف عن القتال قبل أن يفرض الجهاد، فتمنوا أن يؤمروا به، فلما أمروا به كرهوه، لا شكاً في دينهم، ولكن خوفاً من الموت، وقيل: هي في المنافقين وهو أليق في سياق الكلام { مَتَٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } وما بعده تحقير للدنيا فتضمن الرد عليهم في كراهتهم للموت { فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } أي في حصون منيعة، وقيل: المشيدة المطولة وقيل المبينة بالشيد وهو الجص { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ } الحسنة هنا: النصر والغنيمة وشبه ذلك من المحبوبات، والسيئة: الهزيمة والجوع وشبه ذلك، والضمير في { تُصِبْهُمْ } وفي يقولوا للذين قيل لهم: كفوا أيديكم، وهذا يدل على أنها في المنافقين، لأن المؤمنين لا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إن السيئات من عنده { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } رد على من نسب السيئة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعلام أن السيئة والحسنة والخير والشر من عند الله أي بقضائه وقدره { فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ } توبيخ لهم على قلة فهمهم { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ والمراد به كل مخاطب على الإطلاق، فدخل فيه غيره من الناس، وفيه تأويلان: أحدهما: نسبة الحسنة إلى الله، والسيئة إلى العبد تأدباً مع الله في الكلام، وإن كان كل شيء منه في الحقيقة، وذلك كقوله عليه الصلاة والسلام: " والخير كله بيدك والشر ليس إليك " وأيضاً: فنسبة السيئة إلى العبد لأنها بسبب ذنوبه، لقوله:{ وَمَآ أَصَٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى: 30]، فهي من العبد بتسببه فيها، ومن الله بالخلقة والاختراع، والثاني: أن هذا كلام القوم المذكورين قبل، والتقدير يقولون: كذا فمعناها كمعنى التي قبلها.