الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

{ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } سببها أن جماعة من الصحابة شربوا الخمر قبل تحريمها، ثم قاموا إلى الصلاة وأمّهم أحدهم فخلط في القراءة فمعناها النهي عن الصلاة في حال السكر. قال بعض الناس: هي منسوخة بتحريم الخمر، وذلك لا يلزم لأنها ليس فيها ما يقتضي إباحة الخمر، إنما هي نهي عن الصلاة في حال السكر، وذلك الحكم الثابت في حين إباحة الخمر وفي حين تحريمها، وقال بعضهم: معناها؛ لا يكن منكم سكر يمنع قرب الصلاة، إذ المرء مأمور بالصلاة فكأنها تقتضي النهي عن السكر وعن سببه وهو الشرب، وهذا بعيد من مقتضى اللفظ { حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } حتى تعود إليكم عقولكم فتعلمون ما تقرؤون، ويظهر من هذا أن السكر أن لا يعلم ما يقول؛ فأخذ بعض الناس من ذلك أن السكران لا يلزم طلاقه ولا إقراره { وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ } عطف ولا جنباً على موضع وأنتم سكارى، إذ هو في موضع الحال والجنب هنا غير الطاهر بإنزال إو إيلاج؛ وهو واقع على جماعة بدليل استثناء الجمع منه. واختلف في عابري سبيل فقيل: إنه المسافر، ومعنى الآية على هذا: نهى أن يقرب الصلاة وهو جنب إلاّ في السفر فيصلي بالتيمم دون اغتسال، فمقتضى الآية. إباحة التيمم للجنب في السفر، ويؤخذ إباحة التيمم للجنب في الحضر من الحديث، وقيل: عابر السبيل المارّ في المسجد، والصلاة هنا يراد بها المسجد، لأنه موضع الصلاة فمعنى الآية على هذا: النهي أن يقرب المسجد الجنب إلاّ خاطراً عليه، وعلى هذا أخذ الشافعي بأنه يجوز للجنب أن يمر في المسجد، ولا يجوز له أن يقعد فيه، ومنع مالك: المرور والقعود، وأجازهما داود الظاهري { وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } الآية سببها عدم الصحابة الماء في غزوة المريسيع فأبيح لهم التيمم لعدم الماء، ثم إن عدم الماء على ثلاثة أوجه: أحدها: عدمه في السفر، والثاني: عدمه في المرض، فيجوز التيمم في هذين الوجهين بإجماع، لأن الآية نص في المرض والسفر إذا عدم الماء فيهما، لقوله: { وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } ثم قال: { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً }. الوجه الثالث: عدم الماء في الحضر دون مرض، فاختلف الفقهاء فيه، فمذهب أبو حنيفة أنه لا يجوز فيه التيمم، لأن ظاهر الآية أن عدم الماء إنما يعتبر مع المرض أو السفر، ومذهب مالك والشافعي: أنه يجوز فيه التيمم فإن قلنا: إن الآية لا تقتضيه فيؤخذ جوازه من السنّة. وإن قلنا: إن الآية تقتضيه، فيؤخذ جوازه منها، وهذا هو الأرجح إن شاء الله، وذلك أنه ذكر في أول الآية المرض والسفر، ثم ذكر الإحداث دون مرض ولا سفر، ثم قال بعد ذلك كله: فلم تجدوا ماء فيرجع قوله { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } إلى المرض وإلى السفر وإلى من أحدث في غير مرض ولا سفر فيجوز التيمم على هذا لمن عدم الماء في غير مرض ولا سفر، فيكون في الاية حجة لمالك والشافعي، ويجوز التيمم أيضاً في مذهب مالك للمريض إذا وجد الماء، ولم يقدر على استعماله لضرر بدنه، فإن قلنا: إن الآية لا تقتضيه، فيؤخذ جوازه من السنة، وإن قلنا إن السنة تقتضيه، فيؤخذ جوازه منها على أن يتناول قوله إن كنتم مرضى أن معناه مرضى لا تقدرون على مس الماء، وحدّ المرض الذي يجوز فيه التيمم عند مالك هو: أن يخاف الموت أو زيادة المرض أو تأخر البرء، وعند الشافعي: خوف الموت لا غير، وحدّ السفر: الغيبة عن الحضر سواء، كان مما تقصر فيه الصلاة أم لا { أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ } في أو هنا تأويلان: أحدهما: أن تكون للتفصيل والتنويع على بابها، والآخر: أنها بمعنى الواو، فعلى القول بأنها على بابها يكون قوله: فلم تجدوا ماء راجعاً إلى المريض والمسافر، وإلى من جاء من الغائط، وإلى من لامس، سواء كانا مريضين أو مسافرين، أو حسبما ذكرنا قبل هذا، فيقتضي لك جواز التيمم للحاضر الصحيح إذا عدم الماء وهو مذهب مالك والشافعي فيكون في الآية حجة لهما وعلى القول بأنها بمعنى الواو يكون قوله فلم تجدوا ماء.

السابقالتالي
2 3