الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } معناها إباحة تزويج الفتيات، وهنّ الإماء للرجل إذا لم يجد طولاً للمحصنات، والطوْل هنا هو السعة في المال، والمحصنات هنا يراد بهنّ؛ الحرائر غير المملوكات. ومذهب مالك وأكثر أصحابه أنه: لا يجوز للحر نكاح أمة إلاّ بشرطين: أحدهما: عدم الطول؛ وهو ألا يجد ما يتزوج به حرة، والآخر: خوف العنت، وهو الزنا لقوله بعد هذا: { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } ، وأجاز ابن القاسم نكاحهن دون الشرطين على القول بأن دليل الخطاب لا يعتبر، واتفقوا على اشتراط الإسلام في الأمة التي تتزوج لقوله تعالى: { مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ } إلاّ أهل العراق فلم يشترطوه، وإعراب طولاً: مفعولاً بالاستطاعة، وأن ينكح بدل منه وهو في موضع نصب بتقدير لأن ينكح؛ ويحتمل أن يكون طولاً منصوباً على المصدر والعامل فيه الاستطاعة لأنها بمعنى يتقارب، وأن ينكح على هذا مفعول بالاستطاعة أو بالمصدر { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ } معناه أنه يعلم بواطن الأمور ولكم ظواهرها، فإذا كانت الأمة ظاهرة الإيمان، فنكاحها صحيح، وعلم باطنها إلى الله { بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ } أي إماؤكم منكم، وهذا تأنيس بنكاح الإماء، لأن بعض العرب كان يأنف من ذلك { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } أي بإذن ساداتهن المالكين لهنّ { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي صدقاتهن، وهذا يقتضي أنهنّ أحق بصدقاتهنّ من ساداتهنّ، وهو مذهب مالك { بِٱلْمَعْرُوفِ } أي بالشرع على ما تقتضيه السنة { مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَافِحَٰتٍ } أي عفيفات غير زانيات، وهو منصوب على الحال والعامل فيه فانكحوهنّ { وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَٰنٍ } جمع خدن وهو الخليل، وكان من نساء الجاهلية من تتخذ خدناً تزني معه خاصة، ومنهن من كانت لا تردّ يد لامس { فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } معنى ذلك أن الأمة إذا زنت بعد أن أحصنت فعليها نصف حدّ الحرة، فإن الحرة تجلد في الزنا مائة جلدة، والأمة تجلد خمسين، فإذا أحصن يريد به هنا تزوّجن، والفاحشة هنا الزنا، والمحصنات هنا الحرائر، والعذاب هنا الحدّ فاقتضت الآية حدّ الأمة إذا زنت بعد أن تزوّجت، ويؤخذ حدّ غير المتزوّجة من السنة؛ وهو مثل حدّ المتزوّجة وهذا على قراءة أُحصنَّ بضم الهمزة وكسر الصاد، وقرئ بفتحهما، ومعناه أسلمن، وقيل: تزوّجن { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } الإشارة إلى تزوّج الأمة أي إنما يجوز لمن خشي على نفسه الزنا، لا لمن يملك نفسه { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } المراد الصبر عن نكاح الإماء، وهذا يندب إلى تركه، وعلته ما يؤدي إليه من استرقاق الولد.