الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } * { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } عدّد الله في جملة قبائحهم قوله: إنا قتلنا المسيح لأنهم قالوها افتخاراً وجرأة مع أنهم كذبوا في ذلك، ولزمهم الذنب، وهم لم يقتلوه لأنهم صلبوا الشخص الذي ألقى عليه شبهه، وهم يعتقدون أنه عيسى، وروي أن عيسى قال للحواريين أيكم يلقى عليه شبهي. فيقتل ويكون رفيقي في الجنة، فقال أحدهم أنا فألقي عليه شبه عيسى فقتل على أنه عيسى وقيل بل دلّ على عيسى يهوديّ، فألقى الله شبه عيسى على اليهودي فقتل اليهودي ورفع عيسى إلى السماء حياً، حتى ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال { رَسُولَ ٱللَّهِ } إن قيل: كيف قالوا فيه رسول الله، وهم يكفرون به ويسبونه؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أنهم قالوا ذلك على وجه التحكم والاستهزاء، والثاني: أنهم قالوه على حسب اعتقاد المسلمين فيه كأنهم قالوا رسول الله عندكم أو بزعمكم. الثالث: أنه من قول الله لا من قولهم فيوقف قبله، وفائدة تعظيم ذنبهم وتقبيح قولهم إنا قتلناه { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ } ردّ عليه وتكذيب لهم وللنصارى أيضاً في قولهم: إنه صلب حتى عبدوا الصليب من أجل ذلك. والعجب كل العجب من تناقضهم في قولهم إنه إله أو ابن إله ثم يقولون إنه صلب { وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ } فيه تأويلان: أحدهما: ما ذكرناه من إلقاء شبهه على الحواري أو على اليهودي، والآخر: أنّ معناه شبه لهم الأمر؛ أي خلط لهم القوم الذين حاولوا قتله بأنهم قتلوا رجلاً آخر وصلبوه ومنعوا الناس أن يقربوا منه، حتى تغير بحيث لا يعرف، وقالوا للناس: هذا عيسى، ولم يكن عيسى، فاعتقد الناس صدقهم وكانوا متعمدين للكذب { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ } روي أنه لما رفع عيسى وألقي شبهه على غيره فقتلوه، قالوا: إن كان هذا المقتول عيسى فأين صاحبنا وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ فاختلفوا، فقال بعضهم هو هو، وقال بعضهم ليس هو، فأجمعوا أن شخصاً قتل، واختلفوا من كان { إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ } استثناء منقطع لأنّ العلم تحقيق والظن تردّد، وقال ابن عطية: هو متصل إذا الظن والعلم يجمعهما جنس المعتقدات، فإن قيل: كيف وصفهم بالشك وهو تردّد بين احتمالين على السواء ثم وصفهم بالظنّ وهو ترجيح أحد الاحتمالين؟ فالجواب أنهم كانوا على الشك، ثم لاحت لهم أمارات فظنوا، قاله الزمخشري، وقد يقال: الظن بمعنى الشك وبمعنى الوهم الذي هو أضعف من الشك { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } أي ما قتلوه قتلاً يقيناً فإعراب يقيناً على هذا صفة لمصدر محذوف، وقيل: هي مصدر في موضع الحال: أي ما قتلوه متيقنين، وقيل: هو تأكيد للنفي الذي في قوله: ما قتلوه أي يتقين نفي قتله، وهو على هذا منصوب على المصدرية { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ } أي: إلى سمائه وقد ورد في حديث الإسراء أنه في السماء الثانية.