الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } * { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } * { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } * { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ } * { قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } * { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } * { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } * { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }

{ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } يعني ولداً من الصالحين { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } أي عاقل واختلف الناس في هذا الغلام المبشر به في هذا الموضع وهو الذبيح، هل هو إسماعيل أو إسحاق؟ فقال ابن عباس وابن عمر وجماعة من التابعين هو إسماعيل. وحجتهم من ثلاثة أوجه الأول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا ابن الذابحين يعني إسماعيل عليه السلام، ووالده عبد الله، حين نذر والده عبد المطلب أن ينحر [أحد أولاده وأصابت القرعة عبد الله] إن يسر الله له أمر زمزم، ففداه بمائة من الإبل والثاني أن الله تعالى قال بعد تمام قصة الذبيح { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ } فدل ذلك على أن الذبيح غيره والثالث أنه روي أن إبراهيم جرت له قصة الذبح بمكة، وإنما كان معه بمكة إسماعيل. وذهب عليّ بن أبي طالب وابن مسعود وجماعة من التابعين إلى أن الذبيح إسحاق وحجتهم من وجهين الأول أن البشارة المعروفة لإبراهيم بالوادي إنما كانت بإسحاق لقوله: { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ } ومن وراء إسحاق يعقوب، والثاني أنه روي أن يعقوب كان يكتب من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله.

{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ } يريد بالسعي هنا العمل والعبادة، وقيل: المشي وكان حينئذ ابن ثلاثة عشر سنة { قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ } يحتمل أن يكون رأى في المنام الذبح وهو الفعل، أو أمر في المنام أنه يذبحه، والأول أظهر في اللفظ هنا، والثاني أظهر في قوله: { ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } ورؤيا الأنبياء حق، فوجب عليه الامتثال على الوجهين { فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } إن قيل: لم شاوره في أمر هو حتم من الله؟ فالجواب: أنه لم يشاوره ليرجع إلى رأيه، ولكن ليعلم ما عنده فيثبت قلبه ويوطن نفسه على الصبر، فأجابه بأحسن جواب { فَلَمَّا أَسْلَمَا } أي إستسلما وانقادا لأمر الله { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } أي صرعه بالأرض على جبينه وللإنسان جبينان حول الجبهة، وجواب لما محذوف عند البصريين تقديره، فلما أسلما كان ما كان من الأمر العظيم، وقال الكوفيون: جوابها تله والواو زائدة، وقال بعضهم: جوابها: ناديناه والواو زائدة { قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ } يحتمل أنه يريد بقلبك أي كانت عندك رؤيا صادقة فعملت بحسبها، ويحتمل أن يريد بعملك أي وفيت حقها من العمل، فإن قيل: إنه أمر بالذبح ولم يذبح، فكيف قيل له: صدقت الرؤيا؟ فالجواب أنه قد بذل جهده إذ قد عزم على الذبح ولو لم يَفْدِه الله لذبحه، ولكن الله هو الذي منعه من ذبحه لما فداه، فامتناع ذبح الولد إنما كان من الله وبأمر الله، وقد قضى إبراهيم ما عليه { ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } الذي يظهر به طاعة الله أو المحنة البينة الصعوبة.

السابقالتالي
2