الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ } * { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } * { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } * { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } * { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ }

{ إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً } الآية: فيها ثلاثة أقوال: الأول أنها عبارة عن تماديهم على الكفر، ومنع الله لهم من الإيمان، فشبههم بمن جعل في عنقه غل يمنعه من الالتفات، وغطى على بصره فصار لا يرى، والثاني أنها عبارة عن كفهم عن إذاية النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد أبو جهل أن يرميه بحجر، فرجع عنه فزعاً مرعوباً، والثالث: أن ذلك حقيقة في حالهم في جهنم، والأول أظهر وأرجح لقوله قبلها { فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } وقوله بعدها { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } { فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ } الذقن هي طرف الوجه حيث تنبت اللحية، والضمير للأغلال، وذلك أن الغل حلقة في العنق، فإذا كان واسعاً عريضاً وصل إلى الدقن فكان أشدّ على المغلول، وقيل: الضمير للأيدي على أنها لم يتقدم لها ذكر، ولكنها تفهم من سياق الكلام، لأن المغلول تضم يداه في الغل إلى عنقه، وفي مصحف ابن مسعود: { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى ٱلأَذْقَانِ }. وهذه القراءة تدل على هذا المعنى، وقد أنكره الزمخشري { فَهُم مُّقْمَحُونَ } يقال قمح البعير إذا رفع رأسه، وأقمحه غيره إذا فعل به ذلك، والمعنى أنهم لما اشتدت الأغلال حتى وصلت إلى أذقانهم اضطرت رؤوسهم إلى الارتفاع، وقيل: معنى { مُّقْمَحُونَ } ممنوعون من كل خير.

{ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } الآية: السّد الحائل بين الشيئين، وذلك عبارة عن منعم من الإيمان { فَأغْشَيْنَاهُمْ } أي غطينا على أبصارهم وذلك أيضاً مجاز يراد به إضلالهم { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ } الآية: ذكرنا معناها وإعرابها في [البقرة: 6] { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } المعنى أن الإنذار لا ينفع إلا من اتبع الذكر وهو القرآن { وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } معناه كقولك: إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وقد ذكرناه في [فاطر: 18] { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ } أي نبعثهم يوم القيامة، وقيل: إحياؤهم إخراجهم من الشرك إلى الإيمان، والأوّل أظهر { وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ } أي ما قدموا من أعمالهم، وما تركوه بعدهم، كعلم علموه أو تحبيس حبسوه، وقيل: الأثر هنا: الخطا إلى المساجد، وجاء ذلك في الحديث { إِمَامٍ مُّبِينٍ } أي في كتاب وهو اللوح المحفوظ أو صحائف الأعمال.