الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } * { عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } * { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } * { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } * { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ } * { فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } * { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } * { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } * { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } * { ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } * { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } * { ذِكْرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ } * { وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } * { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ }

{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الضمير للقرآن { ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } يعني جبريل عليه السلام { عَلَىٰ قَلْبِكَ } إشارة إلى حفظه إياه لأن القلب هو الذي يحفظ { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ } يعني كلام العرب هو متعلق بنزل أو المنذرين { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } المعنى أن القرآن مذكور في كتب المتقدّمين ففي ذلك دليل على صحته ثم أقام الحجة على قريش بقوله { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } بأنه من عند الله آية لكم وبرهان، والمراد من أسلم من بني إسرائيل: كعبد الله بن سلام وقيل: الذين كانوا يبشرون بمبعثه عليه الصلاة والسلام { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ } الآية جمع أعجم، وهو الذي لا يتكلم سواء كان إنساناً أو بهيمة أو جماداً والأعجمي: المنسوب إلى [العجم أي غير العرب] وقيل: بمعنى الأعجم، ومعنى الآية: أن القرآن لو نزل على من لا يتكلم، ثم قرأه عليهم لا يؤمنوا لإفراط عنادهم، ففي ذلك تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم على كفرهم به مع وضوح برهانه { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } معنى { سَلَكْنَاهُ }. أدخلناه، والضمير للتكذيب الذي دل عليه ما تقدم من الكلام، أو القرآن أي سلكناه في قلوبهم مكذباً به، وتقدير قوله: { كَذَلِكَ } مثل هذا السلك سلكناه، و { ٱلْمُجْرِمِينَ }: يحتمل أن يريد به قريشاً أو الكفار المتقدمين و { لاَ يُؤْمِنُونَ }: تفسير للسلك الذي سلكه في قلوبهم { فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } تمنوا أن يؤخروا حين لم ينفعهم التمني { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } توبيخ لقريش على استعجالهم بالعذاب في قولهم:وَأَلْقِ عَصَاكَ } [النمل: 10]فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأنفال: 32] وشبه ذلك { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } المعنى أن مدّة إمهالهم لا تغني مع نزول العذاب بعدها، وإن طالت مدة سنين، لأن كل ما هو آت قريب، قال بعضهم { سِنِينَ } يريد به عمر الدنيا { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } المعنى أن الله لم يهلك قوماً إلا بعد أن أقام الحجة عليهم بأن أرسل إليهم رسولاً فأنذرهم فكذبوه { ذِكْرَىٰ } منصوب على المصدر من معنى الإنذار، أو على الحال من الضمير من منذرون، أو على المفعول من أجله، أو مرفوع على أنه خبر ابتداء مضمر { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ } الضمير للقرآن، وهو ردّ على من قال أنه كهانة نزلت به الشياطين على محمد { وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } أي ما يمكنهم ذلك ولا يقدرون عليه، ولفظ: { مَا يَنبَغِي } تارة يستعمل بمعنى لا يمكن وتارة بمعنى لا يليق { إِنَّهُمْ عَنِ ٱلسَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ } تعليل لكون الشياطين لا يستطيعون الكهانة، لأنهم منعوا من استراق السمع منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان أمر الكهان كثيراً منتشراً قبل ذلك.