{ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } الآية اختلف في المعنى الذي رفع فيه الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض في هذه الآية فقيل: هو في الغزو أي لا حرج عليهم في تأخيرهم عنه، وقوله { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } مقطوع من الذي قبله على هذا القول كأنه قال: ليس على هؤلاء الثلاثة حرج في ترك الغزو، ولا عليكم حرج في الأكل، وقيل: الآية كلها في معنى الأكل، واختلف الذاهبون إلى ذلك، فقيل: إن أهل هذه الأعذار كانوا يتجنبون الأكل مع الناس لئلا يتقذرهم الناس، فنزلت الآية مبيحة لهم الأكل مع الناس، وقيل: إن الناس كانوا إذا نهضوا إلى الغزو وخلفوا أهل هذه الأعذار في بيوتهم، وكانوا يتجنبون أكل مال الغائب، فنزلت الآية في ذلك، وقيل: إن الناس كانوا يتجنبون الأكل معهم تقذراً، فنزلت الآية، وهذا ضعيف. لأن رفع الحرج عن أهل الأعذار لا عن غيرهم، وقيل: إن رفع الحرج عن هؤلاء الثلاثة في كل ما تمنعهم عنه أعذارهم من الجهاد وغيره { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } أباح الله تعالى للإنسان الأكل في هذه البيوت المذكورة في الآية، فبدأ ببيت الرجل نفسه، ثم ذكر القرابة على ترتيبهم ولم يذكر فيهم الابن، لأنه دخل في قوله { مِن بُيُوتِكُمْ } ، لأن بيت ابن الرجل بيته، لقوله عليه الصلاة والسلام: " أنت ومالك لأبيك " ، واختلف العلماء فيما ذكر في هذه الآية من الأكل من بيوت القرابة فذهب قوم إلى أنه منسوخ، وأنه لا يجوز الأكل من بيت أحد إلا بإذنه والناسخ قوله تعالى:{ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } [البقرة: 188، النساء: 29]، وقوله عليه الصلاة والسلام: " لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس منه " وقيل الآية محكمة، ومعناها إباحة الأكل من بيوت القرابة إذا أذنوا في ذلك، وقيل بإذن وبغير إذن { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ } يعني الوكلاء والأجراء والعبيد الذين يمسكون مفاتح مخازن أموال ساداتهم، فأباح لهم الأكل منها، وقيل: المراد ما ملك الإنسان من مفاتح نفسه وهذا ضعيف { أَوْ صَدِيقِكُمْ } الصديق يقع على الواحد والجماعة، كالعدوّ، والمراد به هنا جمع ليناسب ما ذكر قبله من الجموع في قوله { آبَآئِكُمْ } و { أُمَّهَاتِكُمْ } وغير ذلك، وقرن الله الصديق بالقرابة، لقرب مودّته، وقال ابن عباس: الصديق أوكد من القرابة. { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } إباحة للأكل في حال الاجتماع والانفراد، لأنّ بعض العرب كان لا يأكل وحده أبداً خيفة من البخل، فأباح لهم الله ذلك { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } أي إذا دخلتم بيوتاً مسكونة، فسلموا على من فيها من الناس، وإنما قال: { عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } بمعنى صنفكم كقوله{ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [الحجرات: 11] وقيل: المعنى إذا دخلتم بيوتاً خالية فسلموا على أنفسكم بأن يقول الرجل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وقيل: يعني بالبيوت، المساجد، والأمر بالسلام على من فيها، فإن لم يكن فيها أحد فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الملائكة وعلى عباد الله الصالحين.