الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } أي لكل أمة مؤمنة، والمنسك اسم مكان أي موضعها لعبادتهم، ويحتمل أن يكون اسم مصدر بمعنى عبادة، والمراد بذلك الذبائح لقوله: { لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } بخلاف ما يفعله الكفار من الذبح تقرّباً إلى الأصنام { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } في وجه اتصاله بما قبله وجهان: أحدهما أنه لما ذكر الأمم المتقدّمة خاطبها بقوله: { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } ،أي هو الذي شرع المناسك لكم ولمن تقدّم قبلكم، والثاني: أنه إشارة إلى الذبائح أي إلٰهكم إلٰه واحد فلا تذبحوا تقرباً لغيره { ٱلْمُخْبِتِينَ } الخاشعين وقيل: المتواضعين، وقيل: نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وكذلك قوله بعد ذلك:وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ } [الحج: 37] واللفظ فيهما أعم من ذلك { وَجِلَتْ } خافت { وَٱلْبُدْنَ } جمع بَدَنة، وهو ما أشعر من الإبل، واختلف هل يقال للبقرة بدنة، وانتصابه بفعل مضمر { مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } واحدها شعيرة، ومن للتبعيض، واستدل بذلك من قال: إن شعائر الله المذكورة أو على العموم في أمور الدين { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } قيل: الخير هنا المنافع المذكورة قبل، وقيل: الثواب، والصواب العموم في خير الدنيا والآخرة { صَوَآفَّ } معناه: قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن، وهي منصوبة على الحال من الضمير المجرور، ووزنه فواعل، وواحده صافة { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } أي سقطت إلى الأرض عند موتها، يقال: وجب الحائط وغيره إذا سقط { ٱلْقَانِعَ } معناه السائل، هو من قولك قنع الرجل بفتح النون: إذا سأل، وقيل: معناه المتعفف عن السؤال، فهو على هذا من قولك: قنع بالكسر إذا رضي بالقليل { وَٱلْمُعْتَرَّ } المعترض بغير سؤال، ووزنه مفتعل، يقال: اعتررت بالقوم إذا تعرّضت لهم، فالمعنى: أطعموا من سأل ومن لم يسأل ممن تعرض بلسان حاله، وأطعموا من تعفف عن السؤال بالكلية، ومن تعرض للعطاء { كَذٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ } أي كما أمرناكم بهذا كله سخرناها لكم، وقال الزمخشري: التقدير مثل التخيير الذي علمتم سخرناها لكم.