الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }

{ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } دخل في هذا من في السمٰوات من الملائكة، ومن في الأرض من الملائكة، والجنّ ولم يدخل الناس في ذلك؛ لأنه ذكرهم في آخر الآية، إلا أن يكون ذكرهم في آخرها على وجه التجريد، وليس المراد بالسجود هنا السجود المعروف، لأنه لا يصح في حق الشمس والقمر وما ذكر بعدهما، وإنما المراد به الانقياد ثم إن الانقياد يكون على وجهين: أحدهما الانقياد لطاعة الله طوعاً، والآخر الانقياد لما يجري الله على المخلوقات في أفعاله وتدبيره شاؤوا أو أبوا { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } إن جعلنا السجود بمعنى الانقياد لطاعة الله، فيكون كثير من الناس معطوفاً على ما قبله من الأشياء التي تسجد ويكون قوله: { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } مستأنفاً يراد به من لا ينقاد للطاعة، ويوقف على قوله: { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } ، وهذا القول هو الصحيح؛ وإن جعلنا السجود بمعنى الانقياد لقضاء الله وتدبيره؛ فلا يصح تفضيل الناس على ذلك إلى من يسجد ومن لا يسجد لأن جميعهم يسجد بذلك المعنى، وقيل: إن قوله: { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } معطوف على ما قبله ثم عطف عليه وكثير { حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } فالجميع على هذا يسجد وهذا ضعيف لأن قوله: { حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } يقتضي ظاهره أنه إنما حق عليه العذاب بتركه للسجود، وتأوله الزمخشري على هذا المعنى، بأن إعراب { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } فاعل بفعل مضمر تقديره يسجد سجود طاعة أو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف تقديره مثاب وهذا تكلف بعيد.