الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } * { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

{ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } أي أسماء بني آدم وأسماء أجناس الأشياء كتسمية القمر والشجر وغير ذلك { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } أي عرض المسميات، وبيّن أشخاص بني آدم وأجناس الأشياء { أَنْبِئُونِي } أمر على وجه التعجيز { إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي في قولكم: إنّ الخليفة يفسد في الأرض ويسفك الدماء، وقيل: إن كنتم صادقين في جواب السؤال والمعرفة بالأسماء { لاَ عِلْمَ لَنَآ } اعتراف { أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ } أي أنبئ الملائكة بأسماء ذريتك أو بأسماء أجناس الأشياء { ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ } السجود على وجه التحية وقيل: عبادة لله، وآدم كالقبلة { فَسَجَدُواْ } روي أنّ من أوّل من سجد إسرافيل، ولذلك جازاه الله بولاية اللوح المحفوظ { إِلاَّ إِبْلِيسَ } استثناء متصل عند من قال: إنه كان ملكاً. ومنقطع عند من قال: كان من الجن { وَٱسْتَكْبَرَ } لقوله: أنا خير منه { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } قيل: كفر بإبايته من السجود، وذلك بناء على أن المعصية كفر. والأظهر: أنه كفر باعتراضه على الله في أمره بالسجود لآدم، وليس كفره كفر جحود لاعترافه بالربوبية { وَزَوْجُكَ } هي حواء خلقها الله من ضلع آدم، ويقال: زوجة، وزوج هنا أفصح { ٱلْجَنَّةَ } هي جنة الخلد عند الجماعة وعند أهل السنة، خلافاً لمن قال: هي غيرها { وَلاَ تَقْرَبَا } النهيُ عن القرب يقتضي النهي عن الأكل بطريق الأولى، وإنما نهى عن القرب سدّاً للذريعة، فهذا أصل في سدّ الذرائع { ٱلشَّجَرَةَ } قيل هي شجرة العنب، وقيل شجرة التين، وقيل الحنطة، وذلك مفتقر إلى نقل صحيح، واللفظ مبهم { فَتَكُونَا } عطف على تقربا، أو نصب بإضمار أن بعد الفاء في جواب النهي { فَأَزَلَّهُمَا } متعدّ من أزل القدم، وأزالهما بالألف من الزوال { عَنْهَا } الضمير عائد على الجنة، أو على الشجرة فتكون عن سببية على هذا.

فائدة: اختلفوا في أكل آدم من الشجرة فالأظهر أنه كان على وجه النسيان، لقوله تعالى:فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه: 115] وقيل سكر من خمر الجنة فحينئذٍ أكل منها، وهذا باطل؛ لأن خمر الجنة لا تسكر، وقيل: أكل عمداً وهي معصية صغرى، وهذا عند من أجاز على الأنبياء الصغائر، وقيل: تأوّل آدم أن النهي: كان عن شجرة معينة فأكل من غيرها من جنسها، وقيل: لما حلف له إبليس صدقه؛ لأنه ظنّ أنه لا يحلف أحد كذباً { ٱهْبِطُواْ } خطاب لآدم وزوجه وإبليس بدليل: { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } { مُسْتَقَرٌّ } موضع استقرار وهو في مدّة الحياة، وقيل في بطن الأرض بعد الموت { وَمَتَاعٌ } ما يتمتع به { إِلَىٰ حِينٍ } إلى الموت { فَتَلَقَّىٰ } أي أخذ وقيل على قراءة الجماعة، وقرأ ابن كثير بنصب آدم ورفع الكلمات، فتلقى على هذا من اللقاء { كَلِمَٰتٍ } هي قوله:قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } بدليل ورودها في [الأعراف: 23] وقيل غير ذلك { ٱهْبِطُواْ } كرر ليناط به ما بعده، ويحتمل أن يكون أحد الهبوطين من السماء، والآخر من الجنة، وأن يكون هذا الثاني لذرية آدم لقوله: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم } إن شرطية وما زائدة للتأكيد، والهدى هنا: يراد به كتاب الله ورسالته { فَمَن تَبِعَ } شرط، وهو جواب الشرط الأوّل، وقيل: فلا خوف جواب الشرطين.