الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

{ الۤمۤ } اختلف فيه وفي سائر حروف الهجاء في أوائل حروف السور، وهي: المص، والر، والمر، وكهيعص، وطه، وطسم، وطس، ويس، وص، وق، وحم، وحم عسق، ون. فقال قوم: لا تفسر لأنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، قال أبو بكر الصديق: لله في كل كتاب سرّ، وسرّه في القرآن فواتح السور، وقال قوم تفسر، ثم اختلفوا فيها، فقيل: هي أسماء الله، وقيل: أشياء أقسم الله بها، وقيل: هي حروف مقطعة من كلمات: فالألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد صلى الله عليه وسلم، ومثل ذلك في سائرها، وإعراب هذه الحروف يختلف بالاختلاف في معناها؛ فيتصور أن تكون في موضع رفع أو نصب أو خفض. فالرفع على أنها مبتدأ أو خبر ابتداء مضمر، والنصب على أنها مفعول بفعل مضمر، والخفض على قول من جعلها مقسماً بها كقولك: اللّهِ لأفعلن { ذَلِكَ ٱلْكِتَٰبُ } هو هنا القرآن، وقيل: التوراة والإنجيل، وقيل: اللوح المحفوظ وهو الصحيح الذي يدل عليه سياق الكلام ويشهد له مواضع من القرآن. والمقصود منها إثبات أن القرآن من عند الله كقوله:تَنزِيلُ ٱلْكِتَٰبِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [السجدة: 2] يعني القرآن باتفاق، وخبر ذلك: لا ريب فيه، وقيل: خبره الكتاب فعلى هذا { ذَلِكَ ٱلْكِتَٰبُ } جملة مستقلة فيوقف عليه { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي: لا شك أنه من عند الله في نفس الأمر في اعتقاد أهل الحق، ولم يعتبر أهل الباطل، وخبر لا ريب: فيه، فيوقف عليه، وقيل: خبرها محذوف فيوقف على { لاَ رَيْبَ }. والأول أرجح لتعيّنه في قوله: { لاَ رَيْبَ } في مواضع أخر.

فإن قيل: فهلا قدم قوله فيه على الريب كقوله:لاَ فِيهَا غَوْلٌ } [الصافات: 47] فالجواب: أنه إنما قصد نفي الريب عنه. ولو قدم فيه: لكان إشارة إلى أن ثمّ كتاب آخر في ريب، كما أن " لا غول فيها " إشارة إلى أن خمر الدنيا فيها غول، وهذا المعنى يبعد قصده فلا يقدم الخبر. { هُدًى } هنا بمعنى الإرشاد لتخصيصه بالمتقين، ولو كان بمعنى البيان لعم كقوله: { هُدًى لِّلنَّاسِ }. وإعرابه: خبر ابتداء، أو مبتدأ وخبره: فيه، عندما يقف على لا ريب، أو منصوب على الحال والعامل فيه الإشارة { لِّلْمُتَّقِينَ } مفتعليِن من التقوى، وقد تقدّم معناه في الكتاب، فنتكلم عن التقوى في ثلاثة فصول.

الأول: في فضائلها المستنبطة من القرآن، وهي خمس عشرة: الهدى كقوله: { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 2] والنصرة، لقوله:إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } [النحل: 128] والولاية لقوله:وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الجاثية: 19] والمحبة لقوله:إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [براءة: 4] والمغفرة لقوله:إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } [الأنفال: 29] والمخرج من الغم والرزق من حيث لا يحتسب لقوله:

السابقالتالي
2