الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ } أي: أكملوهما إذا ابتدأتم عملهما، قال ابن عباس: إتمامهما إكمال المناسك. وقال عليّ: إتمامهما؛ أن تحرم بهما من دارك، ولا حجة فيه لمن أوجب العمرة؛ لأن الأمر إنما هو بالإتمام لا بالابتداء { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } المشهور في اللغة: أحصره المرض، بالألف، وحصره العدوّ. وقيل: بالعكس، وقيل: هما بمعنى واحد، فقال مالك: أحصرتم هنا بالمرض على مشهور اللغة، فأوجب عليه الهدي ولم يوجبه على من حصره العدوّ، وقال الشافعي وأشهب: يجب الهدْيُ على من حصره العدو، وعمل الآية على ذلك، واستدلا بنحر النبي صلى الله عليه وسلم الهدْيَ بالحديبية، وقال أبو حنيفة: يجب الهدي على المحصر بعدوّ وبمرض { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ } أي فعليكم ما استيسر من الهدي وذلك شاة، { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ } خطاباً للمحصر وغيره { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً } الاية: " نزلت في كعب بن عجرة حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: لعلك يؤذيك هوامّ رأسك: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام وأطعم ستة مساكين أو أنسكْ بشاة " ، فمعنى الآية: أن من كان الحج واضطره مرض أو قمل إلى حلق رأسه قبل يوم النحر؛ جاز له حلقه؛ وعليه صيام أو صدقة أو نسك حسبما تفسر في الحديث، وقاس الفقهاء على حلق الرأس سائر الأشياء التي يمنع الحاج منها إلاّ الصيد، والوطء، وقصر الظاهرية ذلك على حلق الرأس، ولا بدّ في الآية من مضمر لا ينتقل الكلام عنه، وهو المسمى فحوى الخطاب، وتقديرها: فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه فحلق رأسه فعليه فدية { فَإِذَآ أَمِنتُمْ } أي من المرض على قول مالك، ومن العدوّ على قول غيره، والمعنى: إذا كنتم بحال أمن سواء تقدم مرض أو خوف عدوّ أو لم يتقدم { فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ } التمتع عند مالك وغيره: هو أن يعتمر الإنسان في أشهر الحج، ثم يحج من عامه، فهو قد تمتع بإسقاط أحد السفرين للحج أو العمرة، وقال عبد الله بن الزبير: التمتع هو أن يحصر عن الحج بعدوّ حتى يفوته الحج، فيعتمر عمرة يتحلل بها من إحرامه، ثم يحج من قابل قضاء لحجته، فهو قد تمتع بفعل الممنوعات، من الحج، في وقت تحلله بالعمرة إلى الحج القابل، وقيل: التمتع هو قران الحج والعمرة { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } شاة { ثَلٰثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ } وقتها؛ من إحرامه إلى يوم عرفة فإن فاته صام أيام التشريق { إِذَا رَجَعْتُمْ } إلى بلادكم أو في الطريق { تِلْكَ عَشَرَةٌ } فائدته أن السبع تصام بعد الثلاثة فتكون عشرة، ورُفع لئلا يتوهم أن السبعة بدل من الثلاثة، وقيل: هو مثل الفذلكة وهو قول الناس بعد الأعداد فذلك كذا، وقيل: كاملة في الثواب { لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } يعني غير أهل مكة وذي طوى بإجماع، وقيل: أهل الحرم كله، وقيل: من كان دون الميقات، وقوله: ذلك. إشارة إلى الهدي أو الصيام: أي إنما يجب الهدي أو الصيام بدلاً منه على الغرباء، لا على أهل مكة، وقيل: ذلك إشارة إلى التمتع.