الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }

{ أُحِلَّ لَكُمْ } الآية: كان الأكل والجماع محرّماً بعد النوم في ليل رمضان، فجرت لذلك قصة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه والصرمة بن مالك، فأحلهما الله تخفيفاً على عباده { ٱلرَّفَثُ } هنا الجماع، وإنما تعدّى بإلى لأنه في معنى الإفضاء { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ } تشبيه بالثياب، لاشتمال كل واحد من الزوجين على الآخر، وهذا تعليل للإباحة { تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ } أي تأكلون وتجامعون بعد النوم في رمضان { فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ } أي غفر ما وقعتم فيه من ذلك، وقيل: رفع عنكم ذلك الحكم { بَٰشِرُوهُنَّ } إباحة { مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } قيل: الولد يبتغي بالجماع، وقيل: الرخصة في الأكل والجماع لمن نام في ليل رمضان بعد منعه { مِنَ ٱلْفَجْرِ } بيان للخيط الأبيض لا للأسود؛ لأنّ الفجر ليس له سواد، والخيط هنا استعارة: يراد بالخيط الأبيض بياض الفجر، وبالخيط الأسود: سواد الليل، وروي أن قوله من الفجر: نزل بعد ذلك بياناً لهذا المعنى، لأنّ بعضهم جعل خيطاً أبيض وخيطاً أسود تحت وسادته، وأكل حتى تبين له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هو بياض النهار وسواد الليل { إِلَى ٱلَّليْلِ } أي إلى أوّل الليل، وهو غروب الشمس. فمن أفطر قبل ذلك فعليه القضاء والكفارة، ومن شك هل غربت أم لا فأفطر، فعليه القضاء والكفارة أيضاً وقيل القضاء فقط، وقالت عائشة رضي الله عنها: " إلى الليل " يقتضي المنع من الوصال، وقد جاء ذلك في الحديث { وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ } تحريم للمباشرة حين الاعتكاف، قال الجمهور: المباشرة هنا الجماع فما دونه، وقيل الجماع فقط، { فِي ٱلْمَسَٰجِدِ } دليل على جواز الاعتكاف في كل مسجد؛ خلافاً لمن قال: لا اعتكاف إلاّ في المسجد الحرام، ومسجد المدينة، وبيت المقدس: وفيه أيضاً دليل على أن الاعتكاف لا يكون إلاّ في المساجد، لا في غيرها خلافاً لمن أجازه في غيرها من مفهوم الآية { حُدُودُ ٱللَّهِ } أحكامه التي أمر بالوقوف عندها { فَلاَ تَقْرَبُوهَا } أي لا تقربوا مخالفتها، واستدل بعضهم به على سدّ الذرائع؛ لأنّ المقصود النهي عن المخالفة للحدود لقوله:تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا } [البقرة: 229]، ثم نهى هنا عن مقاربة المخالفة سدّاً للذريعة.