الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } * { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }

{ إِنَّا للَّهِ } تذكروا الآخرة لتهون عليهم مصائب الدنيا، وفي الحديث الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أصابته مصيبة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها أخلف الله له خيراً مما أصابه " قالت أمّ سلمة: فلما مات زوجي أبو سلمة قلت ذلك فأبدلني الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فائدة: ورد ذكر الصبر من القرآن في أكثر من سبعين موضعاً، وذلك لعظمة موقعه في الدين. قال بعض العلماء: كل الحسنات لها أجر محصور من عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلاّ الصبر فإنه لا يحصر أجره، لقوله تعالى:إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10] وذكر الله للصابرين ثمانية أنواع من الكرامة: أولها: المحبة، قال:وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ } [آل عمران: 146]. والثاني: النصر قال:إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ } [البقرة: 153]. والثالث: غرفات الجنة. قال:يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ } [الفرقان: 75]. والرابع: الأجر الجزيل قال:إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10] والأربعة الأخرى المذكورة في هذه الآية، ففيها البشارة، قال:وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ } [البقرة: 155] والصلاة والرحمة والهداية { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُون } والصابرون على أربعة أوجه: صبر على البلاء، وهو منع النفس من التسخيط والهلع والجزع. وصبر على النعم وهو تقييدها بالشكر، وعدم الطغيان، وعدم التكبر بها. وصبر على الطاعة بالمحافظة والدوام عليها. وصبر عن المعاصي بكف النفس عنها، وفوق الصبر التسليم؛ وهو ترك الاعتراض والتسخيط ظاهراً، وترك الكراهه باطناً، وفوق التسليم: الرضا بالقضاء، وهو سرور النفس بفعل الله وهو صادر عن المحبة، وكل ما يفعله المحبوب محبوب.