{ سَيَقُولُ } ظاهره الإعلام بقولهم قبل وقوعه، إلاّ أن ابن عباس قال: نزلت بعد قولهم { ٱلسُّفَهَآءُ } هنا اليهود أو المشركون أو المنافقون { مَا وَلَّٰهُمْ } أي ما ولى المسلمين { عَن قِبْلَتِهِمُ } الأولى وهي بيت المقدس إلى الكعبة { للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } رداً عليهم لأن الله يحكم ما يريد، ويولي عباده حيث شاء، لأن الجهات كلها له { وَكَذَلِكَ } بعدما هديناكم { جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } أي خياراً { شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } أي تشهدون يوم القيامة بإبلاغ الرسل إلى قومهم { عَلَيْكُمْ شَهِيداً } أي بأعمالكم، قال عليه الصلاة والسلام: أقول كما قال أخي عيسى:{ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة: 117] الآية، فإن قيل: لم قدّم المجرور في قوله عليكم شهيداً وأخره في قوله: شهداء على الناس؟ فالجواب: أنّ تقديم المعمولات يفيد الحصر، فقدّم المجرور في قوله: عليكم شهيداً: لاختصاص شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، ولم يقدّمه في قوله شهداء على الناس لأنه لم يقصد الحصر { ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ } فيها قولان: أحدهما: أنها الكعبة، وهو قول ابن عباس. والآخر: هو بيت المقدس، وهو قول قتادة وعطاء والسُدّي، وهذا مع ظاهر قوله: كنت عليها؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بيت المقدس، ثم انصرف عنه إلى الكعبة، وأما قول ابن عباس: فتأويله بوجهين: الأول: أن كنت بمعنى أنت، والثاني: قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى الكعبة قبل بيت المقدس، وإعراب (إلا التي كنت عليها) مفعول بجعلنا، أو صفة للقبلة، ومعنى الآية على القولين: اختبار وفتنة للناس بأمر القبلة، وأما على قول قتادة: فإن الصلاة إلى بيت المقدس فتنة للعرب، لأنهم كانوا يعظمون الكعبة، أو فتنة لمن أنكر تحويلها، وتقديره على هذا: ما جعلنا صرف القبلة، أما على قول ابن عباس: فإن الصلاة إلى الكعبة فتنة لليهود؛ لأنهم يعظمون بيت المقدس، وهم مع ذلك ينكرون النسخ، فأنكروا صرف القبلة، أو فتنة لضعفاء المسلمين؛ حتى رجع بعضهم عن الإسلام حين صرفت القبلة { لِنَعْلَمَ } أي العلم الذي تقوم به الحجة على العبد وهو إذا ظهر في الوجود ما علمه الله { يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } عبارة عن الارتداد عن الإسلام، وهو تشبيه بمن رجع يمشي إلى وراء { وَإِن كَانَتْ } إن مخففة من الثقيلة واسم كان ضمير الفعلة وهي التحوّل عن القبلة { إِيمَٰنَكُمْ } قيل صلاتكم إلى بيت المقدس واستدل به من قال إنّ الأعمال من الإيمان، وقيل: معناه ثبوتكم على الإيمان حين انقلب غيركم بسبب تحويل القبلة.