الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } * { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } * { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً }

{ إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ } نذكر من قصتهم على وجه الاختصار ما لا غنى عنه، إذ قد أكثر الناس فيها مع قلة الصحة في كثير مما نقلوا، وذلك أنهم كانوا قوماً مؤمنين، وكان ملك بلادهم كافراً يقتل كل مؤمن، ففروا بدينهم، ودخلوا الكهف ليعبدوا الله فيه ويستخفوا من الملك وقومه، فأمر الملك باتباعهم، فانتهى المتبعون لهم إلى الغار فوجدوهم، وعرفوا الملك بذلك فوقف عليه في جنده وأمر بالدخول إليهم، فهاب الرجال ذلك وقالوا له: دعهم يموتوا جوعاً وعطشاً، وكان الله قد ألقى عليهم نوماً ثقيلاً، فبقوا على ذلك مدّة طويلة ثم أيقظهم الله، وظنوا أنهم لبثوا يوماً أو بعض يوم، فبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاماً بدراهم كانت لهم، فعجب لها البائع وقال: هذه الدراهم من عهد فلان الملك في قديم الزمان من أين جاءتك؟ وشاع الكلام بذلك في الناس، وقال الرجل: إنما خرجت أنا وأصحابي بالأمس فأوينا إلى الكهف، فقال: هؤلاء الفتية الذين ذهبوا في الزمان القديم فمشوا إليهم فوجدوهم موتى، وأما موضع كهفهم، فقيل إنه بمقربة من فلسطين وقال قوم: إنه الكهف الذي بالأندلس بمقربة من لوشة من جهة غرناطة، وفيه موتى ومعهم كلب، وقد ذكر ابن عطية ذلك، وقال: إنه دخل عليهم ورآهم وعليهم مسجد، وقريب منهم بناء يقال له الرقيم قد بقي بعض جدرانه، وروي أن تلك الذي كانوا في زمانه اسمه دقيوس، وفي تلك الجهة آثار مدينة يقال لها مدينة دقيوس والله أعلم.

ومما يبعد ذلك ما روي أن معاوية مر عليهم وأراد الدخول إليهم، ولم يدخل معاوية الأندلس قط، وأيضاً فإن الموتى التي في غار لوشة يراهم الناس، ولم يدرك أحد منهم الرعب، الذي ذكر الله في أصحاب الكهف { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ } عبارة عن إلقاء النوم عليهم، وقال الزمخشري: المعنى ضربنا على آذانهم حجاباً ثم حذف هذا المفعول { سِنِينَ عَدَداً } أي كثيرة { ثُمَّ بَعَثْنَٰهُمْ } أي أيقظناهم من نومهم { لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } أي لنعلم علماً يظهر في الوجود، لأن الله قد كان علم ذلك، والمراد، بالحزبين الذين اختلفوا في مدة لبثهم، فالحزب الواحد: أصحاب الكهف والحزب الآخر القوم الذين بعث الله أصحاب الكهف في مدتهم وقيل: إن الحزبين معاً أصحاب الكهف إذ كان بعضهم قد قال: لبثنا يوماً أو بعض يوم، وقال بعضهم: ربكم أعلم بما لبثتم، وأحصى فعل ماض، وأمداً مفعول به، وقيل: أحصى اسم للتفضيل، وأمداً تمييز، وهذا ضعيف، لأن أفعل من التي للتفضيل لا يكون من فعل رباعي إلا في الشاذ.