الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا }

قوله: { بِأَنَّ رَبَّكَ }: متعلِّقٌ بـ " تُحَدِّثُ " أي: تُحَدِّثُ. ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بنفسِ " أخبارَها " وقيل: الباءُ زائدةٌ، وأنَّ وما في حَيِّزها بدلٌ من " أخبارَها " وقيل: الباءُ سببيةٌ، أي: بسبب إيحاءِ اللَّهِ تعالىٰ إليها. وقال الزمخشري: " فإنْ قلتَ: أين مفعولاً " تُحَدِّثُ "؟ قلت: حُذِفَ أَوَّلُهما، والثاني: " أخبارَها " ، وأصله: تُحَدِّث الخلقَ أخبارَها. إلاَّ أنَّ المقصودَ ذِكْرٌ تَحْديثِها الأخبارَ لا ذِكْرُ الخَلْقِ تعظيماً لليوم. فإنْ قلت: بمَ تَعَلَّقَتِ الباءُ في قولِه " بأنَّ ربَّك "؟ قلت: بتُحَدِّثُ؛ لأنَّ معناه: تُحَدِّثُ أخبارَها بسببِ إيحاءِ رَبِّك. ويجوزُ أَنْ يكونَ االمعنىٰ: تُحَدِّثُ ربَّك بتحديثِ أنَّ ربَّك أوحىٰ لها أخبارَها، على أنَّ تَحْديثَها بأنَّ ربَّك أوحى لها تَحْديثٌ بأخبارِها، كما تقول: نَصَحْتَني كلَّ نصيحة بأَنْ نَصَحْتَني في الدين " قال الشيخ: " وهو كلامٌ فيه عَفْشٌ يُنَزَّه القرآنُ عنه ". قلت: وأيُّ عَفْشٍ فيه مع صِحَّته وفصاحتِه؟ ولكنْ لَمَّا طالَ تقديرُه مِنْ جهةِ إفادتِه هذا المعنى الحسنَ جَعَله عَفْشاً وحاشاه.

ثم قال الزمخشريُّ: " ويجوزُ أَنْ يكونَ " بأنَّ ربَّك " بدلاً مِنْ " أخبارَها " كأنه قيل: يومئذٍ تُحَدِّثُ بأخبارِها بأنَّ ربَّك أوحَىٰ لها؛ لأنَّك تقول: حَدَّثْتُه كذا، وحَدَّثْتُه بكذا " قال الشيخ: " وإذا كان الفعلُ يتعدَّى تارةً بحرفِ جرٍّ، وتارةً يتعدَّىٰ بنفسِه، وحرفُ الجرِّ ليس بزائدٍ، فلا يجوزُ في تابِعه إلاَّ الموافقةُ في الإِعرابِ فلا يجوز: " استغفَرْتُ الذنبَ العظيمِ " بنصبِ " الذنبَ " وجَرِّ " العظيم " لجواز أنَّك تقولُ " من الذنب " ، ولا " اخْتَرْتُ زيداً الرجالَ الكرامِ " بنصبِ الرجالَ " وخَفْضِ الكرامِ " ، وكذلك لا يجوزُ اَنْ تقولَ: " استغفرتُ من الذنبِ العظيمَ " بنصبِ " العظيمَ " وكذلك في " اخْتَرْتُ " فلو كان حرفُ الجر زائداً جاز الإِتباعُ على موضعِ الاسمِ بشروطهِ المحررةِ في علمِ النحوِ تقول: " ما رأيتُ مِنْ رجلٍ عاقلاً " لأنَّ " مِنْ " زائدةٌ، " ومِنْ رجل عاقلٍ " على اللفظِ، ولا يجوز نَصْبُ " رجل " وجَرُّ " عاقل " على جوازِ مراعاةِ دخولِ " مِنْ " ، وإنْ وَرَدَ شيءٌ مِنْ ذلك فبابُه الشِّعْرُ " انتهى. ولا أَدْري كيف يُلْزِمُ الزمخشريَّ ما أَلْزَمَه به من جميعِ ِالمسائلِ التي ذكَرَها، فإنَّ الزمخشريِّ يقول: إنَّ هذا بدلٌ مِمَّا قبلَه، ثم ذَكَرَ مُسَوِّغَ دخولِ الباءِ في البدلِ: وهو أنَّ المُبْدَلَ منه يجوزُ دخولُ الباءِ عليه، فلو حَلَّ البدلُ مَحَلَّ المبدلِ منه ومعه الباءُ، لكان جائزاً؛ لأنَّ العاملَ يتعَدَّى به، وذَكَرَ مُسَوِّغاً لخُلُوِّ المبدلِ منه من الباءِ فقال: " لأنَّك تقول: حَدَّثْتُه كذا وحَدَّثْتُه بكذا " وأمَّا كَوْنُه يَمْتنعُ أَنْ تقولَ: " استغفَرتُ الذنبَ العظيمِ " بنَصْبِ " الذنبَ " وجرِّ " العظيمِ " إلى آخرِه، فليس في كلامِ الزمخشريِّ شيءٌ منه البتةَ.

السابقالتالي
2