الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } * { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا }

قوله: { جَلاَّهَا }: الفاعلُ ضميرُ النهارِ، وقيل: عائدٌ على الله تعالىٰ. والضميرُ المنصوبُ: إمَّا للشمسِ، وإمَّا للظُّلمةِ، وإمَّا للدنيا، وإمَّا للأرضِ.

قوله: { إِذَا تَلاَهَا } وما بعدَه فيه إشكالٌ؛ لأنه إنْ جُعِل شرطاً اقتضىٰ جواباً، ولا جوابَ لفظاً، وتقديرُه غيرُ صالحٍ، وإنْ جُعِلَ ظرفاً مَحْضاً استدعىٰ عاملاً، وليس هنا عاملٌ إلاَّ فعلُ القسم، وإعمالُه مُشْكِلٌ؛ لأنَّ فعلَ القسمِ حالٌ لأنه إنشاءٌ، و " إذا " ظرفٌ مستقبلٌ، والحال لا يعملُ في المستقبلِ. وسيأتي جوابُ هذا وتحقيقُه عند ذِكْري سَبْرَه وتقسيمَه قريباً إن شاء الله تعالىٰ.

ويَخُصُّ " إذا " الثانيةَ وما بعدها إشكالٌ آخرُ ذكره الزمخشري فيه غموضٌ فتنبَّهْ له قال: " فإن قلتَ: الأمرُ في نصبِ " إذا " مُعْضِلٌ؛ لأنك لا تخلو: إمَّا أَنْ تجعلَ الواواتِ عاطفةً فتنصِبَ بها وتَجُرَّ فتقعَ في العطفِ على عاملَيْن، وفي نحو قولك: " مررتُ أمسِ بزيدٍ واليومَ عمروٍ " وإمَّا أَنْ تجعلَهُنَّ للقسم فتقعَ فيما اتَّفق الخليلُ وسيبويه على استكراهِه. قلت: الجوابُ فيه أن واوَ القسم مُطَّرَحٌ معها إبرازُ الفعلِ أطِّراحاً كلياً، فكان لها شأنٌ خلافَ شأنِ الباء حيث أُبْرِزَ معَها الفعلُ وأُضْمِرَ، فكانت الواوُ قائمةً مَقامَ الفعلِ، والباءُ سادَّةٌ مَسَدَّهما معاً، والواواتُ العواطفُ نوائبُ عن هذه الواوِ فحققن أَنْ يَكُنَّ عواملَ عملَ الفعلِ والجارِّ جميعاً كما تقول: " ضربَ زيدٌ عمراً وبكرٌ خالداً " فترفعُ بالواوِ وتنصِبُ، لقيامِها مَقامَ " ضرب " الذي هو عامِلُهما " انتهى.

قال الشيخ: " إمَّا قولُه: " في واوات العطف: فَتَنْصِبَ بها وتجرَّ " فليس هذا بالمختار، أعني أَنْ يكونَ حرفُ العطفِ عاملاً لقيامِه مَقامَ العاملِ، بل المختارُ أنَّ العملَ إنما هو للعاملِ في المعطوفِ عليه، ثم إنا لا نُشاحُّه في ذلك. وقوله: " فتقع / في العطفِ على عاملَيْن " ليس ما في الآيةِ من العطفِ على عاملَيْن، وإنما هو مِنْ بابِ عطفِ اسمَيْن: مجرورٍ ومنصوبٍ على اسمَيْن: مجرورٍ ومنصوبٍ، فحرفُ العطفِ لم يَنُبْ مَنابَ عامِلَيْنِ، وذلك نحوُ قولِك: " امرُرْ بزيدٍ قائماً وعمروٍ جالساً " وأنشدَ سيبويهِ في كتابه:
4578ـ وليس بمعروفٍ لنا أَنْ نَرُدَّها   صِحاحاً ولا مُسْتَنْكرٍ أن تُعَقَّرا
فهذا مِنْ عَطْفِ مجرورٍ ومرفوعٍ، على مجرورٍ ومرفوعٍ، والعطفُ على عاملَيْن فيه أربعةُ مذاهبَ، ونُسِب الجوازُ إلى سيبويهِ. وقوله: وفي قولِك: " مررْتُ أمسِ بزيدٍ واليومَ عمروٍ " هذا المثالُ مُخالِفٌ لما في الآيةِ، بل وِزانُ ما في الآية: " مررْتُ بزيدٍ أمسٍ وعمروٍ اليومَ " ونحن نُجيز هذا وأمَّا قولُه " على استكراه " فليس كما ذَكَر، بل كلامُ الخليلِ يَدُلُّ على المَنْعِ قال الخليلُ في قولِه عزَّو جلّ:

السابقالتالي
2 3