الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقرأ أبو حيوة: " نصحوا اللَّهَ " بدون لام، وقد تقدم أن " نَصَح " يتعدَّى بنفسِه وباللام.

وقوله: { مِن سَبِيلٍ } فاعل بالجارِّ لاعتماده على النفي، ويجوز أن يكونَ مبتدأً والجارُّ قبلَه خبرُه، وعلى كلا القولين فـ " مِنْ " مزيدةٌ فيه، أي: ما على المحسنين سبيل.

قال بعضُهم: وفي هذه الآيةِ نوعٌ من البديع يسمى التمليح وهو: أن يُشارَ إلى قصةٍ مشهورة أو مثلٍ سائرٍ أو شعر نادر في فحوى كلامك من غير ذِكْره، ومنه قوله:
2529 ـ اليومَ خمرٌ ويبدو بعده خَبَرٌ   والدهرُ مِنْ بين إنعامٍ وإبْآسِ
يشير لقول امرىء القيس لَمَّا بلغه قَتْلُ أبيه: " اليومَ خمرٌ وغداً أمره " ، وقول الآخر:
2530 ـ فواللَّهِ ما أدري أأحلامُ نائمٍ   أَلَمَّت بنا أم كان في الركب يوشَعُ
يُشير إلى قصة يوشع عليه السلام واستيقافه الشمس. وقول الآخر:
2531 ـ لعَمْروٌ مع الرَّمْضاءِ والنارُ تَلْتَظِي   أرقُّ وأَحْفَىٰ منكَ في ساعة الكَرْبِ
أشار إلى البيت المشهور:
2532 ـ المستجيرُ بعمروٍ عند كُرْبته   كالمستجير مِنَ الرَّمْضاءِ بالنار
وكأن هذا الكلامَ وهو " ما على المحسنين من سبيل " اشتهُر ما هو بمعناه بين الناس، فأشار إليه مِنْ غير ذكر لفظه. ولمَّا ذكر الشيخ التمليح لم يُقَيِّده بقوله " من غير ذكره " ولا بد منه، لأنه إذا ذكره بلفظه كان اقتباساً وتضميناً.