الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم }: أي: في جيشكم وفي جمعكم. وقيل: " في " بمعنى مع، أي: معكم. وتقدَّم تفسير " الخبال " في آل عمران.

وقوله: { إِلاَّ خَبَالاً } جَوَّزوا فيه أن يكون استثناء متصلاً وهو مفرَّغٌ؛ لأنَّ " زاد " يتعدى لاثنين. قال الزمخشري: " المستثنىٰ منه غيرُ مذكور، فالاستثناءُ من أعمِّ العام الذي هو الشيء، فكان استثناء متصلاً فإن الخَبال بعضُ أعمِّ العام كأنه قيل: ما زادوكم شيئاً إلا خبالاً ". وجَوَّزوا فيه أن يكونَ منقطعاً والمعنى: ما زادوكم قوة ولا شدةً ولكنْ خبالً، وهذا يجيءُ على قول مَنْ قال إنه لم يكن في عَسْكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خَبال، كذا قال الشيخ. وفيه نظرٌ؛ لأنه إذا لم يكن في العَسْكر خبالٌ أصلاً فكيف يُستثنىٰ شيءٌ لم يكنْ ولم يُتوهَّم وجوده؟

قوله: { خِلاَلَكُمْ } منصوبٌ على الظرفِ. والخِلال: جمع خَلَل وهو الفُرْجَةُ بين الشيئين ويُستعار في المعاني فيُقال: في هذا الأمر خَلل.

والإِيُضاع: الإِسْراع يُقال: أَوْضَعَ البعيرُ، أي: أسرع في سَيْره قال امرؤ القيس:
2490 ـ أرانا مُوضِعينَ لأَِمْرِ غيبٍ   ونُسْحَرُ بالطعامِ والشراب
وقال آخر:
2491 - يا لَيْتَني فيها جَذَعْ   أَخُبُّ فيها وأَضَعْ
ومفعول " أوضعوا " محذوف، أي: أوضعوا ركائبهم لأنَّ الراكبَ أسرعُ من الماشي. ويُقال: وَضَعَتْ الناقةُ تَضَعُ: إذا أَسْرعت، وأوضعتها أنا. وقرأ ابن أبي عبلة { ما زادَكم إلا خَبالاً } ، أي: ما زادكم خروجهم. وقرأ مجاهد ومحمد بن زيد: " ولأَوْفَضوا " وهو الإِسراع أيضاً من قوله تعالى:إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } [المعارج: 43]، وقرأ ابن الزبير " وَلأَرْفَضُوا " بالراء والفاء والضاد المعجمة مِنْ رَفَضَ، أي: أسرع أيضاً، قال حسان:
2492 ـ بزجاجةٍ رَقَصَتْ بما في جَوْفِها   رَقْصِ القَلوصِ براكبٍ مستعجِلِ
وقال:
2493 ـ................   والراقصاتِ إلى مِنَىً فالغَبْغَبِ
يُقال: رَفَضَ في مِشْيته رَفْضاً ورَفَضاناً.

قوله: { يَبْغُونَكُمُ } في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " أَوْضَعوا " ، أي: لأَسْرَعوا فيما بينكم حالَ كونهم باغين، أي: طالبين الفتنةَ لكم.

قوله: { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } هذه الجملةُ يجوز أن تكون حالاً من مفعول " يَبْغُونكم " أو مِنْ فاعله، وجاز ذلك لأن في الجملة ضميريهما. ويجوز أن تكونَ مستأنفةً، والمعنى: أنَّ فيكم مَنْ يَسْمع لهم ويُصْغِي لقولِهم. ويجوز أن يكونَ المرادُ: وفيكم جواسيسُ منهم يسمعون لهم الأخبارَ منكم، فاللامُ على الأول للتقوية لكون العاملِ فرعاً، وفي الثاني للتعليل، أي: لأجلهم.

ورُسِم في المصحف { ولا أَوْضَعُوا خلالكم } بألف بعد " لا " ، قال الزمخشري: " كانت الفتحة تُكْتب ألفاً قبل الخط العربي، والخط العربي اخترع قريباً من نزول القرآن، وقد بقي من ذلك أثرٌ في الطباع فكتبوا صورةَ الهمزةِ ألفاً وفتحتَها ألفاً أخرىٰ، ونحوه، { أَوْ لا أَذْبَحَنَّهُ } [النمل: 21] يعني في زيادة ألف بعد " لا " ، وهذا لا يجوزُ القراءة به، ومَنْ قرأه متعمداً يكفر.