الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ }

قوله تعالى: { لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً }: العامَّةُ على " عُدّة " بضم العين وتاء التأنيث وهي الزَّادُ والراحلةُ وجميعُ ما يَحْتاج إليه المسافرُ.

وقرأ محمد بن عبد الملك بن مروان وابنهُ معاوية " عُدَّةُ " كذلك إلا أنه جعل مكان تاء التأنيث هاء ضمير غائب تعود على الخروج. واختُلِف في تخريجِها فقيل: أصلُها كقراءة الجمهور بتاء التأنيث، ولكنهم يحذفونها للإِضافةِ كالتنوين. وجعل الفراء من ذلك قولَه تعالىٰ:وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة } [النور: 37]، ومنه قولُ زهير:
2488 ـ إنَّ الخَلِيْطَ أجَدُّوا البَيْنَ فانْجَرَدُوا   وأَخْلَفُوك عِدَ الأمرِ الذي وَعدُوا
يريد: عِدَّة الأمرِ. وقال صاحب " اللوامح ": لمَّا أضافَ جعل الكناية نائبةً عن التاء فأسقطها؛ وذلك لأنَّ العُدَّ بغير تاء ولا تقديرها هو الشيء الذي يخرج في الوجه ". وقال أبو حاتم: " هو جمع عُدَّة كـ بُرّ جمع بُرّة، ودُرّ جمع دُرَّة، والوجهُ فيه عُدَد، ولكن لا يوافق خطَّ المصحف.

وقرأ زر بن حبيش وعاصم في رواية أبان " عِدَّهُ " بكسر العين مضافةً إلى هاءِ الكناية. قال ابن عطية: " وهو عندي اسمٌ لِما يُعَدُّ كالذِّبْح والقِتلْ. وقُرىء أيضاً " عِدَّة " بكسر العين وتاء التأنيث، والمرادُ عدة من الزاد والسلاح مشتقاً من العَدَد.

قوله: { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ } الاستدراكُ هنا يحتاجُ إلى تأمل؛ ولذلك قال الزمخشري: " فإن قلت: كيف موقعُ حرفِ الاستدراك؟ قلت: لمَّا كان قولُه { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ } معطياً نفيَ خروجهم واستعدادهم للغزو قيل: ولكنْ كره الله [انبعاثَهم]، كأنه قيل: ما خرجوا ولكن تَثَبَّطوا عن الخروج لكراهةِ انبعاثهم، كما [تقول: ما] أحسن زيدٌ إليَّ ولكن أساء إليّ " انتهىٰ. يعني أن ظاهر الآية يقتضي أنَّ ما بعد " لكن " موافقٌ لما قبلها، وقد تقرَّر فيها أنها لا تقع إلا بين ضدين أو نقيضين أو خلافين ـ على/ خلاف في هذا الأخير ـ فلذلك احتاج إلى الجواب المذكور.

قال الشيخ: " وليست الآيةُ نظيرَ هذا المثال يعني: ما أحسن زيداً إليّ ولكن أساء، لأن المثالَ واقعٌ فيه " لكن " بين [ضدَّيْن، والآيةُ واقعٌ فيها " لكن " بين] متفقين من جهة المعنىٰ " ، قلت: مُرَادُهم بالنقيضين النفيُ والإِثبات لفظاً وإن كانا يتلاقيان في المعنى، ولا يُعَدُّ ذلك اتفاقاً.

والتَّثْبيطُ: التَّعْويق. يقال: ثَبَّطْتُ زيداً أي: عُقْتُه عَمَّا يريده من قولهم: ناقة ثَبِطَة أي بطيئة السير. والمراد بقوله " اقعدوا " التَّخْلية وهو كنايةٌ عن تباطُئِهم، وأنهم تشبهوا بالنساء أو الصبيان والزَّمْنىٰ وذوي الأعذار، وليس المراد قعوداً كقوله:
2489 ـ دَعِ المكارِم لا تَقْصِدْ لبُغْيَتها   واقعُدْ فإنَّك أنت الطاعِمُ الكاسي