الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

قوله تعالى: { لَوْ كَانَ عَرَضاً }: اسمُ كان ضميرٌ يعود على دل عليه السِّياق، أي: لو كان ما دعوتُهم إليه. وقرأ عيسى بن عمر والأعرج " بَعِدَت " بكسر العين. وقرأ عيسى " الشِّقَّة " بكسر الشين أيضاً. قال أبو حاتم: " هما لغةُ تميم ".

والشُّقَّة: الأرض التي يُشَقُّ اشتقاقاً مِنَ الشِّق أو المَشَقَّة.

قوله: { بِٱللَّهِ } متعلقٌ بـ " سَيَحْلِفُون " ، وقال الزمخشري: " بالله " متعلقٌ بـ " سَيَحْلِفُون " ، أو هو من جملة كلامهم، والقولُ مرادٌ في الوجهين، أي: سيَحْلِفون، يعني المتخلِّفين عند رجوعِك متعذِّرين يقولون: باللَّهِ لو استطعنا، أو وسَيحلفون بالله يقولون: لو اسْتَطَعْنا، وقوله " لَخَرَجْنا " سدَّ مَسَدَّ جواب القسم و " لو " جميعاً ". قال الشيخ: " قوله: لخَرَجْنا سدَّ مَسَدَّ جوابِ القسم و " لو " جميعاً ليس بجيد، بل للنحويين في نحو هذا مذهبان، أحدُهما: أنَّ " لَخَرَجْنا " جواب القسم، وجوابُ " لو " محذوفٌ على قاعدة اجتماع القسم والشرط، إذ تقدَّم القسم على الشرط، وهذا اختيارٌ أبي الحسن ابن عصفور. والآخر: أنَّ " لَخَرَجْنا " جوابُ " لو " ، و " لو " وجوابها جواب القسم، وهذا اختيارُ ابنِ مالك، أمَّا أنَّ " لَخَرَجْنا " سادٌّ مَسَدَّهما فلا أعلمُ أحداً ذَهَبَ إلى ذلك. ويحتمل أن يُتَأول كلامُه على أنَّه لمَّا حُذِف جواب " لو " ودَلَّ عليه جوابُ القسم جُعِل كأنه سَدَّ مَسَدَّ جوابِ القسم وجوابِ لو ".

وقرأ الأعمش وزيد بن علي " لوُ اسْتَطَعْنا " بضم الواو، كأنهما فرَّا من الكسرة على الواو، وإن كان الأصلَ، وشبَّها واوَ " لو " بواو الضمير كما شبَّهوا واوَ الضمير بواو " لو " ، حيث كسَرُوها نحو { ٱشْتَرُواْ ٱلضَّلاَلَةَ } [البقرة: 16] لالتقاء الساكنين. وقرأ الحسن " اشْتَرَوا الضلالة " ، و " لوَ استطعنا " بفتح الواو تخفيفاً.

قوله: { يُهْلِكُونَ } في هذه الجملةِ ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنها حالٌ من فاعل " سَيَحْلِفُون " ، أي: سَيَحْلفون مُهْلِكين أنفسَهم. والثاني: أنها بدلٌ من الجملةِ قبلها وهي " سَيَحْلِفون ". الثالث: أنها حالٌ من فاعل " لَخَرَجْنا ". وقد ذكر الزمخشري هذه الأوجه الثلاثة، فقال: " يُهْلِكون: إمَّا أنَ يكونَ بدلاً من " سيحلفون " أو حالاً بمعنى مُهْلكين. والمعنىٰ: أنهم يُوْقِعُون في الهلاكِ أنفسَهم بحلفهم الكاذب. ويحتمل أن يكونَ حالاً من فاعل " خَرَجْنا " ، أي: لَخَرَجْنا وإنْ أهلكْنا أنفسنا. وجاء بلفظ الغائب لأنه مُخْبِرٌ عنهم، ألا ترى أنه لو قيل: سَيَحْلِفون بالله لو استطاعوا لخرجوا لكان سديداً، يقال: حَلَفَ بالله ليفعلن ولأفعلن، فالغيبةُ على حكم الإِخبار، والتكلمُ على الحكاية ".

السابقالتالي
2