الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }

قوله تعالى: { عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }: قرأ عاصم والكسائي بتنوين " عُزَيْرٌ " والباقون من غير تنوين. فأمَّا القراءة الأولى فيُحتمل أن يكونَ اسماً عربيّاً مبتدأً، و " ابنُ " خبره، فتنوينه على الأصل. ويُحتمل أن يكون أعجمياً، ولكنهُ خفيفُ اللفظِ كنوح ولوط، فصُرِفَ لخِفَّة لفظه، وهذا قول أبي عبيد، يعني أنه تصغيرُ " عَزَر " فحكمُه حكمُ مُكَبَّره. وقد رُدَّ هذا القولُ على أبي عبيد بأنه ليسَ بتصغيرٍ، إنما هو أعجمي جاء على هيئة التصغيرِ في لسانِ العربِ، فهو كسليمان جاء على مثال عثيمان وعُبَيْدان.

وأمَّا القراءة الثانية فَيَحتمل حَذْفُ التنوينِ ثلاثةَ أوجه أحدها: أنه حُذِفَ لالتقاء الساكنين على حَدِّ قراءة: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدُ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [الصمد: 1-2] وهو اسمٌ منصرفٌ مرفوعٌ بالابتداء و " ابن " خبره. الثاني: أن تنوينَه حُذِفَ لوقوع الابن صفة له، فإنه مرفوعٌ بالابتداء و " ابن " صفته، والخبرُ محذوفٌ أي: عزيرٌ ابن الله نبيُّنا أو إمامنا أو رسولنا، وكان قد تقدَّم أنه متى وقع الابنُ صفةً بين علمين غيرَ مفصولٍ بينه وبين موصوفه، حُذِفَتْ ألفُه خطاً وتنوينُه لفظاً، ولا تَثْبت إلا ضرورة، وتقدَّم الإِنشادُ عليه آخر المائدة. ويجوز أن يكون " عزير " خبر مبتدأ مضمر أي: نبيُّنا عُزَيْر و " ابن " صفةٌ له أو بدل أو عطف بيان. الثالث: أنه إنما حُذف لكونِه ممنوعاً من الصرف للتعريف والعجمة، ولم يُرْسم في المصحف إلا ثابت الألف، وهي تَنْصُرُ مَنْ/ يجعلُه خبراً.

وقال الزمخشري: " عزير ابن: مبتدأ وخبره، كقوله: { ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ }. و " عُزَيْر " اسم أعجمي كعزرائيل وعيزار، ولعجمته وتعريفه امتنع مِنْ صرفه، ومَنْ صرفه جعله عربياً، وقول مَنْ قال: سقوطُ التنوين لالتقاء الساكنين كقراءةقُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ } [الصمد: 1-2]، أو لأنَّ الابن وقع وصفاً والخبر محذوف وهو " معبودنا " فتمحُّلٌ عند مَنْدوحة.

قوله: { يُضَاهِئُونَ } قرأ العامة: " يضاهِئُون " بضم الهاء بعدها واو، وعاصم بهاءٍ مكسورة بعدها همزةٌ مضمومة، بعدها واو. فقيل: هما بمعنى واحد وهو المشابهة وفيه لغتان: ضاهَأْتُ وضاهَيْت، بالهمزة والياء، والهمزُ لغة ثَقيف. وقيل: الياء فرع عن الهمز كما قالوا: قرأ وقَرَيْت وتوضَّأت وتوضَّيْت، وأَخْطَأْت وأَخْطَيْت. وقيل: بل يضاهِئُون بالهمز مأخوذ من يضاهِيُوْن، فلمَّا ضُمَّت الهاءُ قُلِبَتْ همزةً. وهذا خطأ لأن مثل هذه الياء لا تَثْبُتُ في هذا الموضعِ حتى تُقْلَبَ همزةً، بل يؤدي تصريفه إلى حذفِ الياء نحو " يُرامُون " من الرمي و " يُماشُون " من المشي. وزعم بعضُهم أنه مأخوذٌ من قولهم: امرأة ضَهْيَا بالقصر، وهي التي لا ثَدْيَ لها، و التي لا تَحيض، سُمِّيت بذلك لمشابهتها الرجال.

السابقالتالي
2